أردوغان والصولجان ورفاق الدرب!!
بقلم: حسام الكحلوت
يعد رئيس الوزراء الراحل نجم الدين اربكان بالفترة من (1996و1997) الأب الروحي لكل الحركات الإسلامية التركية اللاحقة فهو مؤسس أول حزب ذي هوية إسلامية منذ تأسيس كمال أتاتورك لتركيا الجمهورية وقضائه علي أخر السلاطين العثمانيين ؛ وتعددت جهود نجم الدين اربكان بإنشاء العديد من الأحزاب بتعدد قرارات حظرها فكان حزب النظام الوطني ثم حزب السلامة الوطني ثم حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة ثم حزب السعادة إلي حين إعتزاله العمل السياسي لكبر سنه بعد تكرار حبسه ، وأراد الرجل بأخريات عمره أن ينشي حزبا يرئسه نائبه رجائي قوطان ويديره هو من خارج الصورة ، إلا إن تلامذته رجب طيب اردغان وعبد الله غول فاجئوه بتأسيس حزب منافس له بعد أن خلعا عباءة السمع و الطاعة فكان تأسيس حزب العدالة والتنمية والذي حقق مفاجأة فوزه بالانتخابات متفوقا علي حزب أستاذه ومعلمه . فالساسة لا تهمهم الأدبيات غالباً ، ولا فرق في ذلك بينهم ،علي اختلاف أهوائهم ومشاربهم وميولهم أو توجهاتهم الحزبية ؛ وعند استلام حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم بالعام 2002، كان هناك حكم قضائي يمنع رجب طيب اردغان من ممارسة العمل السياسي و تولي رئاسة الوزراء بسبب قصيدة ألقاها ؛ فطلب من عبد الله غول ذراعه اليمنى تولي المنصب حتى يتسنى له إنتخابه شخصياً أثناء انتخابات تشريعية جزئية تمكن من الترشح فيها بفضل تعديلات اقرها البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه ، وأصبح أخيراً رئيسا للحكومة في مارس 2003 بعد أن استقال عبد الله غول من منصب رئيس الوزراء لرفيقه وتولى هو منصب وزير الخارجية عند رجب طيب أردوغان ! ودفع اردوغان بصديقه عبد الله غول لسدة الرئاسة بتركيا بالعام 2007 ،وهو منصب فخري ويتطلب من صاحبه الحياد التام وعدم إظهار أي رأي سياسي بأي شأن أو خلاف تركي داخلي فرئيس الجمهورية في النظام البرلماني يجري لقاءات برتوكولية مع الزعماء، ويلعب دور الوسيط بين شعبه عند حدوث نزاعات، وإنّه إن كان منحازاً في الصراعات السياسية سيجزئُ الرأي العام حسبما يقول احد فقهاء القانون ؛ و توجهت الأنظار منذ أن ذاع خبر ترشح أردوغان إلى منصب رئاسة الجمهورية بالعام 2014 إلى ظهور ما بدا انه تنافس أو اختلاف محتمل بين رئيس الجمهورية الأسبق عبد الله غول والذي يحق له الترشح لولاية ثانية مع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الطامح للرئاسة ، وترافق ذلك مع تسريبات صحفية عن وجود اختلاف بين الرجلين عبد الله غول الذي يمثل جناحاً هادئاً وتوسطياً بالحزب مع كلا من اردوغان ووزير خارجيته داود ، وكانت الاختلافات جوهرية فغول يعترض على سياسات تركيا إزاء مصر وسوريا، وأنه اعتبر أن رئيس الحكومة آنذاك رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو بالغا في ردود الفعل وتصرّفا وكأنهما رئيسا حكومة مصر وسوريا ووزيرا خارجيتهما ، الأمر الذي يتعارض مع مصالح تركيا ، وكذا فان الرئيس التركي الأسبق عارض استخدام العنف الشديد الذي استخدمته الشرطة التركية لفض تجمعات المتظاهرين بميدان تقسيم والتي اعتبرها اردوغان بأنها مؤامرة غربية لإسقاط حكمه ! وحقق اردوغان ما كانت تصبّو إليه نفسه وأصبح رئيساً لتركيا بعد أن انسحب من المشهد السياسي الرئيس عبد الله غول في مشهد إيثار بالنفس نادراً ما تجده بعالم السياسة الذي لا يعرف الا لغة المصالح والمنفعة البحته… ، فما كان من اردوغان إلا أن يرّد له الجميل بنعت غول بأنه خائن وجبان في لقاء جمعهما تحت مظلة الحزب !! وقد بدأ الموضوع حين انتقد عبدالله جول الرئيس التركي السابق، سياسة بلاده الخارجية، قائلًا إن البلاد تحتاج إلى مراجعة سياستها في الشرق الأوسط والعالم العربي من خلال تبني وجهات نظر أكثر واقعية،أضاف غول أن تركيا تحتاج إلى تقوية وتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدءاً بمصر وليبيا، وعلى تركيا أن تعيد اكتساب وضعها بوصفها منارة أمل ليأتي الرد على نصيحة جول عنيفًا من جانب أردوغان الذي لم يتمكن من ضبط أعصابه، ووجه انتقادات لاذعة تصل إلى حد الإهانة للرئيس السابق، وقال أردوغان “تركنا وراءنا الخونة والجبناء والمترددين والمتمسكين بمصالحهم الشخصية في عالم السياسية وأكملنا طريقنا السياسي دون تغيير، أما هم فباتوا اليوم خارج السياسة”. وعلي اثر ذلك تواري عبد الله غول عن الأنظار وابقي الباب موارباً لعودته السياسية لما بعد مرحلة اردوغان بقوله “لا نعرف ماذا ستحمل لنا التطورات المقبلة، ولكن إذا كانوا بحاجة إلي، فسأفكر في الموضوع، ومن المؤكد أنني سأضع شروطي المسبقة قبل الموافقة”. ثم جاء الدور ألان علي أحمد داوود أوغلو ليدخل بدوره في خلاف مع إردوغان حول تعديل دستور البلاد ليصبح دستورً رئاسيا بدلاً عن النظام البرلماني ، وكذلك أثيرت حفيظة اوغلو بسبب تعيينات لقيادة حزب العدالة والتنمية من المحسوبين علي اردوغان وفي ذلك تجاوز لصلاحيات اوغلو الذي يعد رئيسا لحزب العدالة والتنمية ؛ولذلك أعلن اعتزامه تقديم استقالته في المؤتمر العام الطارئ لحزب العدالة والتنمية الحاكم المقبل احتجاجا علي تهميشه ،علي ان يبقي في خدمة الشعب التركي ضمن صفوف حزب العدالة والتنمية كنائب في البرلمان كما صرح بذلك ، وسرت شائعات بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخطط لتعيين زوج ابنته وزير الطاقة التركي الحالي، برآت ألبيرك، رئيسا لحزب العدالة والتنمية . وبذلك فان أوغلو انضم للآخرين الذين عبروا عن إعتراضهم على سياسات الحزب، مثل سلفه الرئيس عبد الله غول، ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرنيتش وقد تطول القائمة في حال استمرار اردوغان بتوجهاته السياسية المثيرة للانتقادات وعدم إنصاته لرفاق حزبه . فصَوْلَجانُ المُلْك يحمله السلطان فقط بيده اليمني و يَضَنُّ علي يده الاخري أن تحمله معه ؛ فما بالك برفقاء الدرب الحالمين بحمله !