أما بعد...

أهلا رمضان

رمضان، أفضل الشهور على الاطلاق، فيه تتجلى روحانية البشر، وتتجوهر انسانية الانسان ، من خلال التوجه الى الله بالعبادات و بأعمال  الخير والتضامن والتصدق على المحتاجين والفقراء ، والكل يتسابق نحو تقديم “حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة…”

رمضان الجمال والخيال حين  تستمع في أشد لحظات الاستمتاع والنشوة الى صوت محمد عبد المطلب الشدي الحنون ليلة الأول من رضان عبر الفضائيات بُعيد رؤية الهلال وهو يصدح: “رمضان جانا وفرحنا بو بعد غيابه وبقالو زمان غنوا وقولوا شهر بطولوا أهلا رمضان … ”

لم تعرف البشرية عبر التاريخ شعيرة ألصق بالضمير الإنساني من شعيرة الصوم؛ فلم تكن موجودة فقط في الرسالات السماوية، بل كانت في المجتمعات الإنسانية القديمة قدم الانسان، لأنها ارتبطت بعلاج النفس والروح والتداوي من الأمراض الجسدية..

وذكرت كتب التاريخ أن الصابئة كانوا يصومون ثلاثين يوما ، مبتدئين الشهر بظهور الهلال ، ومنتهين إياه بظهور هلال الشهر الجديد. تماما مثل المسلمين ، وذكرت أيضا أن  الفراعنة وسكان مصر القدامى تعلموا الصوم من الصابئة ، بحسب المصادر التاريخية..

وقد وثق القرآن ذلك بالقول: ” كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “. وأوضح في آية أخرى أن العلة بصيام رمضان كانت بسبب نزول القرآن فيه : ” شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ” .

الكثير من المواقف غير الاعتيادية تترسخ في ذاكرتنا خصوصا  اذا ما ارتبطت بعمل طيب ، أذكر منها أن قناة “أم بي سي” في بداياتها الوردية عندما كانت قناة لكل العرب ، عرضت خلال أحد الرمضانات صورا لفريق عملها وهم يتناولون طبق الافطار ، وأبرز ما لفت انتباهي ، الاعلاميون المسيحيون الذين شاركوا اخوانهم المسلمين مائدة الافطار في مشهد تضامني رائع  أزاح الحدود والحساسيات بين أبناء الوطن الواحد ، بفضل المستوى الراقي الذي ظهر به الاعلاميون وقتها ..

ومع بداية هذا الشهر الفضيل كتب الاعلامي القدير جورج قرداحي جدارية يقول فيها:” الى اخواني المسلمين في لبنان والعالم، أتمنى لكم شهرا فضيلا وصياما مقبولا، وأسأل الله أن يستجيب لصلواتكم وأدعيتكم، وأن يمن علينا وعليكم بالخير والبركة وأن ينظر بعين العطف الى أحوال الأمة العربية جمعاء ، فيعود الأمن والسلام الى ربوعنا وتنتهي هذه المأساة التاريخية التي نعيشها في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء وفلسطين الخ.. وكل عام وأنتم بخير”.

حقيقة أطربني هذا الكلام ، لأننا نريد صراحة  أن نسير على نهج من يحترم المذاهب والطوائف والديانات ومع من يتبادلون فيما بينهم التهاني والتعازي وكل صور التآخي والتآزر..
كما كتبت حياة الياقوت مقالا يطرب النفس بعنوان “عزيزي رمضان” فقالت : أنت يا رمضان فرصتنا لنعود خالين من الذنوب، كيوم ولدتنا أمهاتنا، كالصغار أحباب الله الذين لا ذنب لهم، ولا شر يأتي منهم…” وسخرت في جزء آخر لتضيف:” الصائم العربي تمكن ولله الحمد من استغلال معدته الاستغلال الأمثل، ووصل إلى آلية تمكنه من تشغيلها على مدار ساعات الفطر دون كلل أو ملل أو راحة. وهذا إنجاز يدل على حرص المواطن العربي على الإنتاجية خاصة في رمضان، وعلى الحفاظ على الموارد. وتكون أنت بذلك يا شهر رمضان شهر تربية النفوس، وتربية الكروش”.

قبل سنتين تقريبا ، كنت في زيارة سياحية الى تونس وتحديدا في جزيرة جربة والتقيت هناك بعدد من اليهود ، وبينما أنا أتبادل معهم أطراف الحديث، أخبروني بفرحة صادقة وهم يقبلون وقتها على صيامهم المقدس الذي سيقع خلال رمضان أيضا، ، ليكونوا مع المسلمين في طقوس روحانية مشتركة لا تتكرر الا بعد عقود .. وكانت الفرحة بادية على وجوههم وهم ينقلون لي هذا الخبر النادر الحدوث…

الكل يبتهج بالصيام  وبحلول رمضان، فطبت وطاب مقامك يا رمضان الخير والبركات  .

 

 

.

زر الذهاب إلى الأعلى