الأُمم التِي نَشأت علَى الدين لا يُمكن لَها أَن تَنهض إِلا بتَشبث مُطلق بِالثَوابت
الكاتب الباحث علاء سعد حميده من مصر في حوار لـ”التحرير”:
الأُمم التِي نَشأت علَى الدين لا يُمكن لَها أَن تَنهض إِلا بتَشبث مُطلق بِالثَوابت
حاوره : جلال مشروك
علاء سعد حميده ولد ونشأ ويقيم بمدينة دمنهور شمال مصر مواليد عام 1968م أقمت نحو سبعة عشر عاماً بمكة المكرمة خلال فِترة الشباب، تَخرجت من كُلية الزراعة جامعة الإسكندرية ثُم حصل علَى دبلوم تَربية مِن نفس الجامعة، أَكتب فِي الصحف والمَجلات مِن الخليج إلى المحيط. عضو رابطة أدباء الشام ورابطة الأدب الإسلامي العالمية والاتحاد العالمي للإبداع الفكري والأدبي وغيرها مِن روابط الكتاب، حصلت على جائزة الألوكة للرواية عام 2010م عن رواية أخت علَى آخر الزمن وصنفت رواية حتى لا تموت الروح ضمن أفضل مائة رواية رومانسية فِي أكثر مِن مَوقع أَدبي ولقبت الرواية عام صدورها يناير 2008م بأول رواية رومانسية إسلامية، وأنا أميل إلى كوني باحثاً ومفكراً أكثر من كوني أديباً روائياً وقاصاً.
التحرير:كيف كانت بدايتك في عالم التأليف ؟
البدايات المُبكرة كَانت تُعبر عن حالة ثَقافية ورغبة مُلحة فِي الإِصلاح والتَغيير للأَحسن سواءً بِالكلمة المَنطوقة أو المَكتوبة أو مُحاولات شعرية ساذجة أَو حتى فِي صورة اِحتجاج علَى سلطة الكبار، كُل ذلك عبر الإِذاعة المَدرسية أو مَوضوعات التَّعبير ثُم الصحافة المَدرسية والأَنشطة الطلابِية فِي المَرحلة الثَانوية وصولاً إِلى الخطابة المَسجدية والدروس وكلمات المُدرجات والمُناسبات المُختلفة فِي مَرحلة الجامعة، وتَستطيع أَن تذكر أن التَّعبير كُله كَان خطابياً فِي مَرحلة الشباب المُبكر وبَقاء المُحاولات السردية الأُولى حبيسة الأَدراج حتى اِنعكس الوضع فِي بِداية الأُلفية الثالثة بِسبب خدمة الأنترنت.
التحرير:من هو مدعمك ومساندك في حياتك ؟
البَيت والأُسرة كَانت الداعم الأَول كُنا نَعيش حالة مِن النقاش الثقافِي والاهتمام بِالشأن العام خاصة مِن جانب الوالد رحمه الله وكَان دائماً مَا يُناقش القَضايا الثَّقافية والأُمور الدينية داخل الأُسرة، مِما أَثر فِي تَكويني المُبكر، وكَذلك نَوع الدراسة الأَكاديمية للأُم كأستاذ للُّغة العربية ثُّم أُساتذتي في المَدارس وفِي حلقات العلم بِالمَسجد.
التحرير: ما تأثير المحيط عليكم إيجابا و سلبا ؟
تَأثير البِيئة المُحيطة كَان كبيراً جداً بِشقيها الإِيجابي والسلبي، تُمثل الدور الإِيجابي فِي بِيئة الأُسرة والأَساتِذة هذِه بِيئَة نَشأتِني علَى أَن أَكون إِنسانا رساليا، صاحب مَشروع فِكري تَوعوي دائِم الدعوة لَه والتَعبير عنه، وبِيئة خارجية تَحتاج إِلى إِصلاح وتَطوير وتَوعية وتُمثل المَناخ المُناسب الحافز علَى الاِستمرار فِي طرح المَشروع الفِكري التَوعوي والإِلحاح علَيه وتَطويره واِختبار مَدى صلاحيته علَى أَرض الواقع.
التحرير:ما المشروع الفكري الذي تؤمن به ؟
المَشروع الفِكري التوعوي الذي أؤمن به وأطرحه بإلحاح هو أن الأُمم التِي نَشأت وتَأسست علَى الدين لا يُمكن لَها أَن تَنهض إِلا بِتطوير اِجتهادات لِفَهم نُصوصه المُقدسة مُكافَئة للعصر مَع تَشبث مُطلق بِالثَوابت، بِمعنى أَنه لا نَهضة لأُمتنا المُسلمة إِلا بِالسعي والاِجتهاد فِي فَهم القُرآن الكَريم فهماً حضارياً واِستلهام روح تَطبيقات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكِرام دون أَن نَحصر أَنفسنا فِي اِجتهادات تُراثية صلُحت لِزمانها وربما لاَ تُجيب علَى أَسئلة عصرنا، ودون أَن نُحاول فَصل حياتنا عن الدين وجعلِه طقوساً مَراسمية فِي المَواسم، لأَن الأُمة مِن غير مُكونها الأَول (الإسلام) تَنهار وتَتشظى، وأيضاً الجمُود علَى الاِجتهادات التُراثية يَجعلها أُمة تَاريخية خارج سياق الواقع المُعاصر ولا مُستقبل لها.
التحرير:كيف يسهم إنتاجك الأدبي القصصي والروائي في طرح مشروعك الفكري بينما يحتاج إلى التعبير عنه من خلال الكتب الفكرية والمَقالات التوعوية؟
يُوجد تَكامل بَين مَا أَطرحه فِي الكِتابات الفِكرية ومَا تَحمله الأَعمال الأَدبية مِن رسائل تَوعوية، صحيح الرواية لا يَجب أَن تَكون حصة تَوعية أَو خطبة وعظية، لَكن الرواية الأَدبية تُتيح للكاتِب الرسالي أَن يَطرح مُشكلات المُجتمع ويُلقي الضوء علَيها بِصورة مُكثفة، كمَا يَستطيع أَن يُثير الوعي تُجاه قضايا اِجتماعية هامة، ولِذا يَحمل العمل الأَدبي دائماً رسائل تَوعوية بِصورة غير مُباشرة وبِاستخدام أَساليب أَدبية تَتجنب شكل الوعظ المُباشر.
التحرير:تخصصك في الزراعة هل أثر في حياتك الشخصية أولاً و محيطك ثانياً ؟
دراسة الزِّراعة بِالنسبة لِي تُكافئ دراسة الحياة وعمَلِية الإِحياء، فلَقد ورد فِي الحديث الشريف أَنه إِذا قَامت الساعة وفِي يَد أَحدكم فَسيلة واِستطاع أَن يَغرسها فَليغرسها، الزراعة بِهذا المَفهوم تَعني إِنتاج الحياة وتَعني البِّناء وتَعني إِقامة الحضارة وتَعني النَّماء وتَعني عمارة الأَرض وتَعني تَحقيق الوفرة والكِفاية للأَحياء علَى الأَرض بشراً وحيوانات، بهذا المَفهوم التَّنموي الِإنتاجي الحضاري لِلزراعة أَثرت دراستها علَى دور الإِنسان فِي صناعة الحياة، أَن تَكون زراعياً تساوي أَن تَكون مُنتجاً وصانع الأمَل وصابراً صبراً طويلاً على حصد النَّتائج، فأَنت لا تَرمي البَّذرة اليوم ثُم تَقوم بِحصد الثِّمار غداً، وإنما بِالصبر والتعهد بِالرعاية والعمَل تَصل إِلى الحصاد.
التحرير:ألفت مؤلفا تحت عنوان “سمات دولة النبي صلى الله عليه وسلم”، حدثنا عنه ؟
لي كتَابين عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم أَحدهما بِعنوان دولة النبي يُركز علَى وقائع إِقامة دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن حيث الوقائِع التَّاريخية، والثاني بِعنوان سمات دولة النبي وهو يَتناول الخصائص والأُسس والمَبادئ العامَة التِي قَامت علَيها دولة سيدنا رسول الله فِي المَّدينة المُنورة ومَا حولها، وهِي دولة اِستوعبت خريطتها الجغرافِية عدة دول مُعاصرة، فَلقد كَانت دولة كَبيرة علَى مُستوى الجغرافِيا وعدد السكان مِما يَجعلها تَجربة ثَرية فِي الإِدارة تَصلح للاِستلهام فِي كُل عصر، لَقد شملت مِساحة دولة النَّبي جغرافيا المَملكة العربية السعودية واليمن وسلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين وجزء مِن المَملكة الأردنية، فهِي كمَا تَرى كَانت دولة واسعة مُترامية الأَطراف عاصمَتها المَدينة المُنورة حيث مَقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكتابان عموماً أُصدرا ضمن مَشروع مُستمر لِنشر مُحاولة لفهم مُعاصر لسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواءً عبر بَرنامج مَرئي تَحت عنوان (محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم) عرض مِنه أَربعون حلقة مَرئية عبر مَوقع شبكة الأَلوكة أَو علَى قناتي علَى اليُوتيوب، وعشرات المَقالات التِي تَستلهم حياة وسيرة رسول الله فِي مُختلف الصحف العربية بِفهم مُعاصر يُخرجها مِن حالتها التَّاريخية إِلى حالة اِستلهام حضاري وتَوعوي قَابل للتَّطبيق المُعاصر.
التحرير:كيف تفسر دولة قائمة بحكم الشريعة ودولة بغير ذلك؟
عبارة الشَّريعة الإِسلامية عبَارة تُعادل القانون بِشقيه المَدني والجنائي، غالِبية الدول المُسلمة تُطبق أَغلب أَحكام القانون المَدني مُستمداً مِن أَحكام الفقه الإِسلامي، القَانون الجنائي أَو التَشريعات الجنَائية فِي الإِسلام تُمثل جزء بسيط جداً مِن قِيم الإسلام ومَبادئه وتَعاليمه، فالإسلام فِي فَهمنا -والجمع هنا عائِد علَى مُفكري الأُمة المُسلمة فِي أَغلبيتهم الساحقة- أوسع وأكبر كثيراً جداً مِن مُجرد عدة أَحكام مَعدودة فِي قَانون العقُوبات وهو مَا اِستقر فِي الوعي الجمعي باسم الشريعة الإِسلامية، المُجتمع المُسلم اليوم يُجب أَن يَستلهم قِيم ومَبادئ الإِسلام الحضارية والنَهضوية مِثل قِيم العدل والحرية والمُساواة وحقُوق الإِنسان والشورى والتكافل الاِجتماعي والعمل التَّطوعي والمُسارعة فِي الخيرات وتَحقيق الأَمن والأَمان والكِفاية الإِنتاجية وعدالة تَوزيع الثَّروة والتَّقدم العلمي والقُوة البَّدنية والعسكرية والمَكانة الثقافِية والتأثِير الدولي، وفِي القَلب مِن هذا كُله الحرص علَى إقامة العبادات والشعائر، ثُم تَأتي العقُوبات الجنائية كسياج نِهائي يَحمي طوباوية المُجتمع وخيريته مِن الاِختراق، هكذا نَفهم المُجتمع المُسلم والسلطة التِي يَجب أَن تَقوم علَى هذا المُجتمع بِقيم العدل واِحترام حقوق الإِنسان وأخيراً تطبيق العقوبات المَنصوص عليها فِي القرآن الكريم للجرائم المُجتمعية.
التحرير:لكم مؤلف تحت عنوان “محاكمة المساعد جميل ” ما محتواه ؟
مُحاكمة المساعد جميل أَحدث أَعمالي الروائية، والمُساعد جمِيل هُو أَشهر مُساعد مباحث جنائية –رتبة شرطية تشبه أمين الشرطة في مصر- فِي الدراما السورية فِي البرنامج الإِذاعي الشَّهير بِعنوان حكم العدالة ويَشتهر باِنتزاع الاِعترافات مِن المُتهمين بِالإكراه، تَدور الرواية حول جريمة قَتل تَحدث فِي دمشق يَتولى التَّحقيق فيها فرع المباحث الجنائية ويقوم المساعد جميل بدروه، وتنقلب القضية رأساً على عقب، وتعد الرواية صرخة تحذير من اِنتهاكات حقوق الإِنسان داخل المُؤسسات الشرطية فِي المُجتمع العربي بِالكامل.
التحرير:ما المواضيع والقضايا التى عالجتها في مؤلفاتك؟
القَضايا المُجتمعية وخاصة قَضايا المُهمشين الذين لا صوت
لَهم رغم أَنهم يُمثلون الغلبية الكَاسحة فِي مُجتمعاتِنا العربية والمُسلمة، حيث يَتم تَهمِيشهم فِي الإِعلام وفِي الأَدب وفِي الدراما لِحساب قِلة قَليلة مِن شواذ المُجتمع- بِمَعنى الشذوذ عن الكُثرة الغالِبة فِي المُجتمع- دائماً أُحب أَن أَكون صوت الناس البُسطاء العاديين، صوت
التحرير:كعضو في رابطة الأدب الإسلامية العالمية، كيف ترون قيام الدول وعلى أي أساس تساندونها ؟ و ما هي أهداف هاته الرابطة ؟
أنا أساساً ضد تَقسيم الأدب إلى إسلامي وغير إسلامي، وإنما الأدب يقسم إلى أدب رسالي وقيمي وأدب غير رسالي وغير قيمي، وقديماً فِي الجاهلية عرف العرب تقسيم شعر الغزل إلى غزل عذري وغزل صريح أو فاحش أو إباحي، لكن نَشأة رابطة الأَدب الإِسلامي اِرتبطت بِرد الفِعل علَى تَسيد الاِتجاه اليَساري والعدمي والوُجودي للآداب والفُنون ووسائِل الإِعلام فِي الفِترة التِي سيطر فِيها الاِحتلال الأَجنبي علَى مُقدرات الدول العربية والمُسلمة، ثم الفِترة التَالية التِي اِستبدل فِيها الغزو العسكري بِالغزو الفِكري والثَّقافي، فَنشأت حركة الأدب الإِسلامي كحالة مُقاومة لهذا الغزو الفِكري والثقافي حفاظاً على هوية الأمة، ولا أظن أَن لِرابطة الأَدب الإِسلامي علاقة بِالدول مِن حيث الاِشتباك بِالسياسة، وإِنما هِي تَحمل مشروعاً فكرياً وثقافياً مُرتبط بِالقيم والأَخلاق والتَّوجيهات الإِسلامية المُتأصلة فِي المُجتمع وتُعبر عنه.
التحرير:هل هناك دعم من طرف السلطات للكتاب والمبدعين ببلد مصر الشقيقة؟
بكل تأكيد يوجد دعم للحالة الثقافية فِي مصر وفِي غيرها مِن الدول العربية، ويُعتبر مَعرض القاهرة الدولي للكتاب أكبر مَعرض للكتاب ومُناسبة ثَقافية كُبرى فِي الوطن العربي كله، إِشكالية الثَّقافة فِي مصر لا تَكمن فِي غياب دعم الدولة، وإِنما فِي مَناخ حرية التعبير عموماً، فكلما زادت مِساحة حرية التَّعبير والحريات العامة زادت جودة الإبداع، كَما يُعاني الكتاب الجدد مِن أَجواء الشللية والصناعة الثَّقافية المُواجهة القائِمة علَى فِكرة التريند أو الأكثر شيوعاً مُقابل المُستوى الأَدبي والإبداع الحقيقي، ولِذلك فَإن أَغلب الكتاب المُجيدين تَجدهم عصامِيين يَعتمدون علَى جهُودهم الذَّاتية ولا يَستفيدون فعلياً كثيراً مِن الإِمكانات التِي تُتيحها وزارة الثَّقافة ودور النَّشر الكبرى، لأنها تَذهب فِي الغالب لمَن لا يَستحق.
التحرير:هل تحتك بكتاب أجانب وجزائريين؟ وما الفرق بينهم؟
فِي بِدايات النَّشر كوننا مُنتدى أَدبيا عربيا أَصدرنا مَجموعة قَصصية بِعنوان زوجة تَقليد شارك فيها أُدباء مِن دول عربية مُختلفة، مِثّل الجزائر فِيها الأَديبة الجزائرية سهيلة عزوني، وبِالطبع أقرأ للأديبة الجزائرية الشهيرة أَحلام مستغانمي، يقرب الإنترنت أيضاً بَين الأُدباء العرب مِن كافة الدول العربية، وبِالنسبة للأَدب الأَجنبي تَأثرت بِفيكتور هوجو وأجاثا كريستي وتشارلز ديكنز، والبرزيلي باولو كويلو، والتركية أليف شافاق، والفيلسوف الهندي محمد إقبال، وكلما اِقترب الأدب مِن البيئة المُحيطة للكاتب كُلما زاد ألقاً وإمتاعاً مثلما فعل الأديب العماني زهران القاسمي في روايته تغريبة القافر الفائزة بالبوكر 2023.
التحرير:رسالة توجهها لمحبيك الأعزاء؟ وكلمة أخيرة؟
أولاً أشكر حضرتك أستاذ جلال مشروك على هذا الحوار الثري، ولجريدتكم الموقرة، وللقراء الأَفاضل في دولة الجزائر الشقيقة التِي يربطنا بِها فَضلاً عن الروابط الإسلامية والعربية رابط ثقافي مُشترك، كما أرجو ثانياً لكل القراء الأعزاء واقعاً ومُستقبلاً ينعمون فيه بالعدل والحرية واِحترام حقوق الإنسان وشعورهم بالسيادة والتمكين في أوطانهم ومجتمعاتهم، آمنين مطمئنين سعداء.