الاقليات والجماعات العرقية “الاثنية” والدولة الوطنية في العالم العربي والإسلامي إشكالية تعيق تطور مجتمعاتانا وتلهو بها الانظمة والقوى الخارجية حسب حاجاتها

الفورومرقم: 15
العدل يولد الاستقرار…والفوضى تؤدي إلى ظهور الصراعات الاثنية المستغلة من طرف الخارج ومن الداخل رغم أنها كشعوب واحدة وليس كسياسات تربطهم صلة تعايش وانسجام منذ قرون طويلة.
خصصت ” التحرير” فورومها لهذا الأسبوع لموضوع الجماعات الاثنية والأقليات العرقية في العالمين العربي والإسلامي، وذلك لما تمتلكه هذه الجماعات من القدرة على التأثير في سياسة الدول واستخدامها من طرف قوى خارجية لتمزيق شمل الأمة وتفتيت الدولة الوطنية. في هذا العدد، نسلط الضوء على الموضوع من خلال طرح اشكالية ” الجماعات الاثنية والدولة الوطنية في العالم العربي والإسلامي”.
وقد استضاف الفوروم لإثراء النقاش كلا من الدكتور مصطفى حميداتو، الأستاذ والمحامي عز الدين عمراني، الأستاذ التجاني علاهم، الأستاذ بيزيد يوسف، الأستاذ التجاني تامة، و بحضور إذاعة سوف
تنشيط: أحمد ديدي
تلخيص : فتحي نصيرة/ أسماء علي
يعتبر موضوع الهوية واحدا من الموضوعات الأساسية التي تتصدر النقاشات السياسية والفكرية في العالم العربي في العقود الأخيرة. وقد تزايدت إثارة هذا الموضوع بتزايد التحديات التي يفرضها الوضع الاقتصادي وتدخلات القوى العظمى في تحريك الاقليات العرقية داخل الوطن الواحد فظهرت للوجود ما يسمى بالأقليات. فهل هناك حقيقة يوجد صراع اثني أو عرقي أوطائفي بين الأقليات في العالم العربي والاسلامي أم أن القضية مفتعلة ومن ورائها أهداف سياسية وايديولوجيات أرادت أن تنال من هذه الأمة؟
الانتكاسات والتشرذم ادى إلى ظهور الصراعات الاثنية
مصطفى احميداتو:
يعتمد الحكم على صراع الاثنيات على وضعية الدولة القومية أو الإسلامية عموما، فكلما تحقق الاستقرار كلما هدأت هذه الأمور ولا نجد لها أثرا بل نجد التآخي والتعاون في صناعة مجد هذه الأمة بينما إذا تسرب أو وصل الضعف والهوان والتشتت إلى الوضع الاقتصادي والسياسي كما يقول ابن خلدون يؤدي ذلك الى تشتت المجتمعات . ووضع العالم العربي كان مستقرا نوعا ما عندما أصيبت الدولة القومية بالأزمات المتتالية أن والانتكاسات والتشرذم ،وهو ما أدى إلى ظهور الصراعات الاثنية بأشكالها المختلفة ويبدأ هنا دور الاستعمار الذي يتصيد مثل هذه الأزمات ويتحين الفرص حتى يلتقط ما يروق له من أجل تمرير مشاريعه…
ما المقصود بالدولة القومية هل هي الخارطة التي تمثلها الجامعة العربية او الدولة القطرية؟ وهل قامت دولة قومية تجمع كل العرب؟
مصطفى حميداتو:
بداية أنا ضد استعمال هذا المصطلح لأن الأمم المتحدة هي التي فرضته والتي تعني بها الحدود الموروثة عن الاستعمار الذي قسم الدولة الإسلامية إلا دول كتونس والمغرب والجزائر. هذه هي الدولة الوطنية التي ورثناها عن الاستعمار ، وتبنى على الحدود الجغرافية، لكن في الدولة الإسلامية الدين هو أصلها والدين أوسع من أن تحدده حدود جغرافية.
ألم توجد صراعات بين الأقليات في تاريخ العالم العربي هي التي تسيطر على سياسة هذا البلد؟ ألم توجد هذه الظاهرة عندما اشتكى الأقباط لعمرو بن العاص؟ أو ما يسمى بالظاهرة الأمازيغية في إفريقيا؟
مصطفى حميداتو:
يكمن الإشكال في إمكانية وجود العدل من عدمه ، إذا كان هناك عدل لا تكون هذه الفتن على الإطلاق فالعدل سيولد مؤسسات دولة قادرة على مجابهة الصراعات الإثنية ، وهي ستولد برلمانا عادلا يحفظ جميع الحقوق والحريات المتعلقة بالأقليات والإثنيات المختلفة والعدالة لا تتعلق بمجموعة أو عدد من الأفراد أو بحزب أو بدولة بل هي فكر جماعي لا بد أن يكون في تفكير كل فرد وداخل عمل مؤسسات الدولة وإذا كان هناك عدل وشفافية في التعامل فلن تكون هناك مشاكل حتى ولو كانت هناك أقليات.
سمى الدكتور قبل قليل وضع الأقليات بالفتنة وهي مرتبطة بمشاكل اقتصادية واجتماعية وأيضا مرتبطة بالعدالة . فما رأيكم بوضع الأقليات والاثنيات داخل الوطن العربي؟
فكرة العروبة هي إقصاء لغيرها
عز الدين عمراني:
تكلم الدكتور عن الاستقرار الذي أشار إلى أن وجود الاستقرار ينفي وجود مشاكل ، لكن ما الذي يوجد هذا الاستقرار، ففي العهد الإسلامي بعد مملكة بني أمية وهناك انتفاضات وصراعات اثنية إذ تطغى اثنية على أخرى، ونجد بعض الاثنيات استغلت الدين من أجل الوصول إلى السلطة، ولما نعود إلى الجزائر نجد حالتين هناك عرب وامازيغ وهذا التقسيم موجود، لكن العرب هم من حكموا في الجزائر بحكم انهم من أتو بالدين والامازيغ مقتنعون بذلك، وبعدها ظهرت المشكلة بظهور القومية بالعربية كفكر، فنجد في ذلك قول بن باديس شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب، يعني فكرة العروبة هي إقصاء لغيرها، فهناك من يحاول تغطية الهيمنة بالتوظيف الداخلي أو الخارجي، والاستقرار وراءه العدل والاستقرار.
-انت تقول الإثنيين هم الأمازيغ وذكرت مثالا على ذلك بعبد الجميد بن باديس ولكنه شخصية صنهاجية امازيغية يدعو للغة العربية. ما قولك في هذا؟
عز الدين عمراني:
الاثنية فكر،ويجب معالجة الفكر وليس العرقيات، والاثنيات ليست ظاهرة مصطنعة ولكن استغلت بصفة سلبية. وهذه الظاهرة يجب دراستها كي نسد الباب أمام جميع التدخلات الخارجية والداخلية، لأن الدولة عبارة عن أشخاص ومؤسسات يجب تحصينهم بممارسة العدالة والديمقراطية.هناك صراعات قد تكون أحيانا غير مقصودة عن جهل،وليس لها اي تدخل لا خارجي ولا داخلي وذلك حتى نكون موضوعيين. فمتى كانت هناك انتفاضات كان هناك خلل لا بد من ايجاد الحلول له.
الحركة الأمازيغية لم تكن موجودة أصلا
الأستاذ علاهم التجاني:
المشكلة في حد ذاتها ثقافية بالدرجة الأولى وليست متعلقة بالأجناس فلما نتحدث عن القومية العربية أو الامازيغية فلا وجود لقوميات صافية بالنسبة للعرق والقومية العربية، وهذه الفكرة مستمدة من أوربا ومشكلة العرق انتهت منذ قرون، ونلاحظ ان كل عصر له ما يميزه من الثقافات، والجزائر لم تكن تعرف القومية خاصة في عهد الاستعمار والقومية الوحيدة التي كانت موجودة هي بين العروبة والتي تمثل الجزائر بكافة أجناسها والمستعمر .
أما في المشرق العربي فالحاجة هي التي فرضت عليه فكرة القومية وذلك من أجل توحيد العالم العربي الذي يعرف تعددية كبيرة في الاثنيات ضد الأخطار الدولية المحيطة به. لكن في الجزائر خاصة في تلك الحقبة عرفت ما يسمى بفكرة القومية الا انها فرضت دور الدولة الوطنية او الجغرافيا المحددة المعالم لان الوطن هو الذي يشمل جميع مكونات الدولة من أقلية وأكثرية،ولم يقص الأمازيغ من الحياة السياسية برغم انهم اقلية بل بالعكس كانت نسبتهم أوفر من العرب بكثير. لا ننفي أن هناك نوعا من الحساسيات فبعض الأقليات تحس أنها مهمشة.
بالنسبة للحالة الاثنية في العالم العربي هناك من يقول أنها حالة موجودة تاريخيًا. وهناك من يقول أنها وجدت بعد أن ضربت الدولة الإسلامية، وهناك من يقول بتقويض دولة الإسلام من خلال هذه الاثنيات، لما نرجع للجزائر نجد الكثير من يقول أن الحركة الأمازيغية لم تكن موجودة أصلا خاصة في العهد الفرنسي. مارأيك؟
المشكلة الاثنية ظهرت في الجزائر مع ظهور الأكاديمية البربرية
بيزيد يوسف:
هذه الإشكالية كانت موجودة حتى في العالم العربي والعالم الاسلامي وهي موجودة على مر العصور حتى في عهد الدولة العثمانية، على سبيل المثال قضايا الأرمن التي مازالت تُعالج لحد الآن، لكن إشكالية التعامل الآن كما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى” على أساس ما يطلق عليه بالحكم العادل بمعنى ان الأقلية تدخل ضمن نطاق الدولة وتحترم على أساس أنها أقلية لها حقوقها. كثير من الدول حاولت أن تدمج هذه الأقليات في المؤسسات لتصبح طرفا فاعلا أكثر عرضة للتوافق. لكن الاشكالية تبرز عندما تتدخل عوامل خارجية مع عوامل داخلية بمعنى أنها تستغل لصالح استراتيجية معينة، وهي تلعب على ثلاثة أوتار الوتر الأول وهو الدين ويستغل إما مع السلطة أو ضدها والوتر الثاني هو اللغة والوتر الثالث هو الثقافة . والمشكلة الاثنية ظهرت في الجزائر مع ظهور الأكاديمية البربرية في 1962 بباريس، حيث كان فيها أيادي معينة تحرك ذلك.
هناك بعض الأقليات تطالب بتحسين الوضع الاجتماعي والعمل واللغة، لكن هناك من وضعهم الاجتماعي والاقتصادي كباقي أفراد الدولة ومع ذلك يطالبون بالانفصال، ما قولكم؟
التجاني علاهم: الاثنية موجودة بوجود الانسان، ولكن الإشكالية في توظيفها ولصالح من توظف مدى شرعيتها، والحل هو التفكير بمنطق انساني ومنطق تقبل الآخر. وفي الجزائر بدل أن نأخذ من التعدد الاثني كمقوم للقوة والبناء في الجزائر، أخذناه كعامل للانشقاق والتقهقر.
عندما نتكلم عن ظاهرة الأقليات في العالم العربي بين التجاذبات الخارجية وبين الواقع الداخلي. هل هي تعيش تهميشا وأزمة وجود أم أنها قضية مفتعلة وراءها قوى أجنبية تريد أن تستأثر بثروات العالم العربي وتفكيكه على غرار السودان وغيرها؟
لا يمكن إزالة هذه الصراعات إلا بإعطاء الاثنيات الحرية والديمقراطية..
التجاني تامة:
مسألة اللغة والدين والثقافات التقاليد التي هي أساسا مكونات للاثنية هي حقائق تنفصل عن اعتقادنا وثقافتنا، لذلك فهي مشكل حقيقي يجب التعاطي معه ولكن الاشكال الكبير هو ما يسمى في علم السياسة المقاولون الاثنيون وهم الذين يستغلون هذه الخصوصيات لإدراج صراعات من أجل الوصول للسلطة. الآن في الجزائر 70٪ من القبائل الذين يحركون المسألة الأمازيغية إنما يحركونها لأسباب سياسية هناك دول بها أكثر من 25 اثنية لكن لا يوجد بها صراعات لسبب يتعلق بالمؤسسات التي تحكم تلك الدول والديمقراطية الموجودة والحرية. فالاستغلال السياسي كان حاضرا في كل الصراعات التي تحركها الجماعات الاثنية مثلا في افريقيا الوسطى والصراع القائم فيها حاليا أساسه سياسي. لذلك لا يمكن إزالة هذه الصراعات إلا بإعطاء الاثنيات الحرية والديمقراطية..
عز الدين عمراني:
الانفصاليين هم الذين استغلوا الوضع في الجزائر ولذلك أقول لا يوجد استغلال أجنبي لأن هذا الوضع المتعفن أساسا موجود.
بيزيد يوسف:
لكن الاشكال كيف يتعامل النظام السياسي مع المشكلة، هناك ثلاث طرق: أولاها التلسطية وهي غير مجدية بسبب الزخم الإعلامي الكبير، والثانية هي طريقة التوافق بمعنى أن يكون هناك تمثيل نيابي وتمثيل سياسي ولكن أحيانا الاقليات لا تكتفي مطالبها عند هذه النقطة بل تتوسع كلما أعطيتها، الثالثة وهي الطريقة الفدرالية وهذه لا يطالب به إلا القليل في الجزائر وهم أقلية متطرفة. ففي رأيي يجب أن يكون هناك حل توافقي لهذه المسألة، أما عن قضية الانفصال فلا أعتقد أنها مطروحة بكثرة، وحتى الذين طرحوها هم بتمويل خارجي ، أما وجودها كمشكل تنوع ثقافي فأعتقد أن الجزائر لا تعاني من هذا..
التجاني علاهم:
مشكلتنا في الجزائر أننا نتهرب من معالجة الموضوع ولا نحاول دراسته، كما وقع بعد الاستقلال إذ هرّب النظام السياسي نفسه من مشكلة الأمازيغية وأعتبرها غنيمة أي يجب أن تقسم كغنائم لإسكات الرؤوس المتحدثة عن الامازيغية ، الآن أيضا نهرب من هذا الموضوع الذي كان من المفروض أن ندرسه كفكرة فربما تكون هي حل جذري للمشكلة في الجزائر أو نقنع الآخر بعدم جدواها اذا كانت لا توصل إلى نتيجة..
نحن تناولنا الظاهرة إلا من الجانب السياسي لكن لم نتناولها كظاهرة اجتماعية ثقافية. هل هناك إشكال حقيقي بعيدا عن السياسة والمصالح بين الجزائريين كعرب وأمازيغ الذين لمدة قرون وهم متعايشون معا؟ هل هي بالفعل قضية مفتعلة سياسيا المراد بها الوصول للحكم أم هو صراع حقيقي موجود حتى على مستوى الشعب؟
عز الدين عمراني:
هذا ربما يوضحه لنا مستوى التعامل بينهم فمثلا وضع التجار نجد أن كل منهم يبيع للأخر ويتعاملون فيما بينهم دون وجود أي إشكال.
التجاني علاهم:
مشكلة الاثنية كما قلت غي الجزائر كانت موجودة صغيرة ولكن عولجت معالجة غنائم وهي التي زادت من تفاقم الأمر. والآليات المقترحة لموجهة ذلك تتمثل في إحداث ثورة ثقافية في الجزائر تنظر بمنظور تحرري عقلاني.