التحول الداخلي في السعودية والملفات الساخنة بالمنطقة

احمد الشماس /المنار المقدسية
أوضاع قلقة في السعودية، أشعلت الأضواء الحمراء في العواصم الغربية، وبشكل خاص في واشنطن، أوضاع قد تؤدي الى صدامات دموية بين أفراد العائلة الحاكمة، وتحديدا بين الأمراء الشباب الطامعين في تولي مناصب قيادية، كل يرى أنه أحق من غيره في الاستحواذ بها، وأنها كانت يوما بين يدي والده أو شقيقه، ومع تردي الوضع الصحي للملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز، يزداد قلق الغرب من تطورات في مملكة آل سعود التي أنشئت لتقديم الخدمات وتنفيذ البرامج للقوى والدول التي ساهمت في تأسيسها، لذلك تلعب الرياض دور الاداة ضد مصالح الأمة وشعوب المنطقة.
(المنــــار) تنقل ما كشفته لها دوائر سياسية مطلعة عن المقدمات التي دفعت بهذه التغييرات والاقالات والتعيينات الى السطح في مملكة باتت قيادتها تخشى عدم استقرار ساحتها، ودول أقامتها قاعدة متقدمة لها في المنطقة، هذه المقدمات كما تقول الدوائر، بدأ بها الرئيس الأمريكي باراك اوباما عندما قام بزيارة الى الرياض في شهر آذار الماضي، وتصفها الدوائر بأنها زيارة مكاشفة بين البلدين، حمل فيها اوباما الى العائلة السعودية جميع الملفات المتعلقة بالمنطقة دون اقصاء لأي ملف، وترى الدوائر أن لا أحد يستطيع أن يجادل في حقيقة كون السعودية أداة رئيسة للولايات المتحدة في كل ما يتعلق بقضايا المنطقة بشكل عام وفي دول الخليج بشكل خاص، كما لا يمكن لأحد أن يقلل من الحجم الاقتصادي والوزن السياسي لهذه المملكة، وتاثيراتها على الكثير من الملفات في المنطقة ، ومن بينها، الملفات الفلسطينية والسورية والمصرية والملف الايراني ومستقبل المنطقة بشكل عام.
وتضيف الدوائر أن الرئيس الامريكي كان “صريحا مع نفسه ومع العائلة السعودية” خلال اللقاءات التي جمعته مع كبار المسؤولين، وتمت جميعها بمشاركة الأمير مقرن بن عبد العزيز، الذي كان في وقت سابق، وقبل زيارة الرئيس اوباما قد عقد لقاءات لساعات طويلة مع مسؤولين كبار في الولايات المتحدة.
تقول الدوائر ذاتها أن الرئيس الأمريكي طالب القيادة السعودية “عدم التغريد بعيدا عن السرب الأمريكي”، وكان حازما وواضحا في كثير من المفاصل المتعلقة بالسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، وتطرق الى جميع الملفات المفتوحة والازمات الساخنة، قبالنسبة للمفاوضات التي يديرها الغرب مع ايران أكد أوباما، أن على السعودية أن تدرك جيدا أن لا أحد في الغرب ولا حتى اسرائيل على استعداد للدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة وغير مضمونة النتائج في الشرق الأوسط، وبالتحديد مع ايران، مؤكدا على الصعوبة التي واجهتها واشنطن في حشد جبهة غربية موحدة ومتماسكة لتوجيه ضربة للدولة السورية، حيث شكلت هذه المحاولات وغياب القدرة على عقد التحالفات انتكاسة غير مسبوقة للقدرة الامريكية السياسية والدبلوماسية في بناء التحالفات العسكرية، ولهذا السبب لا يوجد بديل عن الحل السياسي مع ايران، وشباك الفرص الذي فتح بانتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية، يمكن أن يكون الفاتحة للوصول الى اتفاق يكون مقبولا على جميع الاطراف ويحمل في طياته الكثير من عوامل التطمين لمخاوف الدول المجاورة لايران، ولاسرائيل أيضا، وهذا يعني ببساطة أن على الرياض أن تدرك بأن المفاوضات التي يديرها الغرب مع طهران تسير في مسار واحد نحو الوصول الى حلول يتفق عليها الجميع، ولا يوجد في هذا المسار “محطات وقوف نهائي” أو “مداخل جانبية” نحو حلول غير دبلوماسية، وأن الغرب سيواصل ادارة المفاوضات مع طهران للوصول الى اتفاق معقول بشأن البرنامج النووي الايراني، وتشير الدوائر هنا، الى أن الرئيس أوباما أكد أن جميع الاطراف باتت تدرك ما لا يقتنع به النظام السعودي، أو بعض المجموعات والتيارات داخل هذا النظام، وهو صعوبة التعرض لايران عسكريا، وأن خطوة كهذه قد تؤدي الى اشتعال المنطقة، وهذا الأمر أدركته اسرائيل، وهي اليوم تتمنى أن يستطيع الغرب “هزيمة” ايران على طاولة المفاوضات السياسية.
وحول الأزمة السورية، التي احتلت جزءا مهما في لقاءات اوباما بالريضا ولقاءات المسؤولين الامريكيين مع أركان النظام السعودي في الاشهر التي سبقت زيارة الرئيس الامريكي الى الرياض، تقول الدوائر السياسية أن الموقف الامريكي كان واضحا وواقعيا الى أبعد الحدود ، فواشنطن لا تختلف امنياتها عن الامنيات السعودية بأهمية اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد وتغييبه عن المشهد السياسي السوري، لكن، التحولات والتغيرات التي تشهدها الاراضي السورية ميدانيا منذ اواخر العام الماضي وبداية العام الحالي، لا تصب في الهدف الامريكي في الهدف الامريكي السعودي المنشود وهو تدمير الدولة السورية واسقاط نظام الرئيس الاسد، لكن الاوضاع في سوريا باتت تشكل خطرا داهما يهدد مصالح حلفاء أمريكا في المنطقة، ومصالح امريكا بشكل مباشر، فبعض المناطق في سوريا أصبحت معسكرات لتدريب الارهابيين من المجموعات التي تدعمها السعودية وقطر وتركيا وحتى الولايات المتحدة ودول اوروبية، هذه المجموعات الارهابية، يرى اوباما أنها اصبحت خارج السيطرة ولا يمكن التحكم بها، وامتزجت بمجموعات متطرفة تعادي أمريكا، والدول التي ساهمت وشاركت في تمويلها، وأنه من الصعب في ظل التشابك الاقليمي وما يجري من صراع بين دول عظمى من وراء الكواليس أن تصل هذه الرغبة المشتركة لدى أمريكا والسعودية باقصاء الرئيس الاسد الى حيز التنفيذ، لذلك، هناك أهمية في اعادة التفكير للخروج بحل للازمة السورية، وفي هذا الموضوع، ترى الدوائر السياسية أن السعودية لن تتراجع سريعا، وأن هناك محاولات من جانب السعودية للتقارب مع طهران لادراكها أن فرص الحد من قوة وتاثير النظام الايراني أصبحت مستحيلة، وأن على الرياض السعي من خلال المدخل الايراني للبحث عن حل للازمة السورية على أمل أن تتمكن الرياض عبر الاتصالات والمفاوضات السياسية والدبلوماسية من الوصول الى حل سياسي يحقق على الاقل “نصرا صغيرا” وهو “تعييب” الرئيس الاسد، لكن ـ تضيف الدوائر ـ حتى هذا النصر الصغير الذي تلهث وراؤه السعودية، أصبح غير مضمون، فطهران تعتبر بقاء النظام السوري مصلحة مرتبطة بأمنها القومي، وهي لا يمكن أن تترك حزب الله معزولا، وانبوب الاكسجين يمر في ساحة لا يعرف أحد شكل النظام القادم فيها، كما أن هذه الصفقات لا يمكن أن تتحقق اقليميا، فهناك اليوم لاعبون من دول كبيرة، وبشكل خاص الولايات المتحدة وروسيا، لكن، يمكن الاستعانة بالسعودية وايران لضمان تنفيذ اتفاقيات بين الكبار بشأن الأزمة السورية.
.
وبالنسبة لاسرائيل في محادثات اوباما مع القيادة السعودية، تقول الدوائر أن العلاقات بين تل أبيب والرياض قد تطورت بشكل كبير، ولا أحد يستطيع تجاهل الدور الذي لعبه مهندس العلاقات السعودية الاسرائيلية بندر بن سلطان، وهي علاقات كان الصعود المستمر لها، منذ حرب لبنان الثانية، وتواصلت واصبحت بارزة وغير مسبوقة منذ بداية هبوب ما يسمى بـ “رياح الربيع العربي” ، وتضيف الدوائر أن قنوات التنسيق وتبادل الاراء نشطت بين السعودية واسرائيل بصورة كبيرة تثير الدهشة، ولا تتوقع الدوائر أن يتراحج التنسيق السعودي الاسرائيلي ، بل سيتواصل الى أبعد مدى، في المسألة الايرانية، وفي الازمة السورية، فالعداء والكراهية لنظام الرئيس الأسد والخوف من “الخطر الايراني” لا يمكن أن يزول، بمعنى أن التناغم الاسرائيلي السعودي وصل حد التحالف الاستراتيجي وبالتالي لن يسقط في التحول الداخلي الذي تعيشه مملكة آل سعود.