كشك التحرير

الحلقة المفرغة للقمم العربية

ريشة قلم1

أحمد يوسف أحمد/ الشروق المصرية   

من الصعوبة بمكان أن يحدد أحد التاريخ الدقيق لبدء دوران القمم العربية في حلقة مفرغة. قد يكون التوصل إلى القرار الخاص بدورية القمة في قمة القاهرة 2000 هو ذلك التاريخ مع أن المخلصين لقضية تعزيز النظام العربي وتفعيله رأوا في ذلك القرار في حينه نقطة انطلاق جديدة لمسيرة القمم العربية بعد أن أصبحت مؤسسة رسمية من مؤسسات النظام العربي تعقد اجتماعا على الأقل في مارس من كل عام للنظر في شأن المخاطر والتحديات التي تواجه النظام من داخله أو خارجه بعيدا عن شعار «الإعداد الجيد للقمة» الذى كان يباعد بين القمة العربية والقمة التي تليها عديد من السنوات في أحيان كثيرة. لكن القمم أخذت تنعقد فى انتظام تام دون أن يكون لها مردود يذكر، فالقرارات تتخذ لكنها عادة لا تنفذ أو لا تفضى إلى أي تقدم في الوضع العربي في مشكلة ما، وأحيانا ما تكون تمهيدا لتنازلات عربية جماعية جديدة في قضايا عربية كبرى أو على الأقل مسوغة لتنازل من قبل هذه الدولة أو تلك، ونسب حضور القادة العرب مؤتمرات القمة آخذة في التدني تفاديا للإحراج أو لاعتبارات أمنية مبالغ فيها أو تقدم عدد من الحكام فى السن نظرا لطول مدة استمرارهم في الحكم، والقرارات تتكرر على نحو حرفي عاما بعد عام بشأن قضية ما مما يعنى عجزا عن تنفيذها. وقد يكون دوران القمم العربية في الحلقة المفرغة من العجز قد بدأ مع واقعة الغزو الأمريكي للعراق فى 2003 التي كشفت عجز النظام العربي عن حماية إحدى وحداته الرئيسية.

لم تخب قمة الكويت توقعات من رفضوا الرهان عليها في مواجهة مشكلات العرب الكبرى، ففي مجال القضية الفلسطينية التى تتعرض فى المرحلة الراهنة إلى خطر التصفية والتي يصر العرب على تسميتها بقضية العرب الأولى، مع أنها لم تعد أولى ولا أخيرة، لم تستطع قمة الكويت أن تخرج على مألوف القرارات التي تبنتها القمم السابقة على الأقل منذ القمة الدورية الأولى فى عمان 2001، فقد ثابرت قرارات القمة فى هذا الصدد على التمسك بمواقف سليمة كذلك الموقف الخاص بإقامة

أما المعضلة السورية فقد اكتشفت الجامعة العربية أن القرار الخاص بتسليم الائتلاف السوري مقعد سوريا في الجامعة كان متسرعا لعدم وجود إجماع داخل فصائل المعارضة السورية على ذلك، فخفضت القمة تمثيله من مستوى القمة إلى المستوى الوزاري، وهو تطور إيجابي فى تقديري، غير أن العجز العربي عن إيجاد حل للمعضلة السورية قد استمر، وامتد منطق تحميل العالم ومجلس الأمن مسئولية إيجاد حلول للمعضلة السورية مع أن ثمة دورا مهما للأطراف العربية مازال بمقدورها أن تلعبه بل وقد تكون هذه الأطراف هي وحدها القادرة على الاضطلاع به. وبخصوص الخلافات العربية – العربية لم تنجز القمة بشأنها شيئا يُذكر، وقد تكفل الجزء المتعلق بمصر في كلمة أمير دولة قطر في الجلسة الافتتاحية بزيادة استفزاز الشعب المصري، ذلك أنه وإن حملت كلمته تلميحات إيجابية عن العلاقات بين البلدين إلا أن جوهرها كان نقدا غير مباشر وغير موضوعي لأداء الحكم في مصر فيما يتعلق بالصراع مع الإخوان المسلمين مطالبا الحكم بالحوار وعدم الاستبعاد ومتناسيا ما يقوم به خصومه من أعمال عنف لا يستقيم معها أي حوار أو مصالحة، أما الخلاف الأخير داخل مجلس التعاون الخليجي فلم تبحثه القمة أصلا، وربما يكون هذا خيرا لأن تناوله داخل القمة كان من شأنه تعميق الخلاف طالما بقيت السياسة القطرية على ما هي عليه.

تضمنت القمة دون شك قرارات إيجابية كذلك القرار الخاص بالالتزام بتوفير الدعم للدول الشقيقة التي شهدت عمليات الانتقال السياسي والتحول الاجتماعي من أجل إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، لكن السؤال: هل يتم تنفيذ قرار كهذا وكيف؟ وقد نذكر أن قرارات عديدة اتخذتها قمم سابقة فيما يتعلق بدعم مالي سخى للفلسطينيين لكن قلة من الدول كانت هي التي تلتزم، والواقع أن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت قد نفذت هذا القرار قبل صدوره بدليل مساعداتها السخية لمصر وبالذات بعد 30 يونيو، ناهيك عن الدعم المعنوي الذى يتمثل في تبنى السعودية والإمارات الموقف نفسه من خصوم النظام المصري الذين يعيثون في مصر عنفا وإرهابا.

مازال العرب إذن يحتاجون إعادة نظر واسعة وربما جذرية فى آليات تضامنهم فى مواجهة المخاطر التى تحيط بهم من كل اتجاه وإلا فإن قممهم سوف تبقى حالة روتينية أكثر منها آلية أساسية فى هذه المواجهة وقد يأمل المرء خيرا فى انعقاد القمة القادمة بمصر إذا استعادت استقرارها وبدأت انطلاقها نحو تنمية مستدامة واستعادة دورها الخارجي وبالذات على الصعيد العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى