الصحافة.. وقداسة الحاكم

محمد عبد العليم داوود/الوطن المصرية
ثلاثة ممنوع الاقتراب منها فىعالمى الصحافة والبرلمان.. هكذا كانت التوجيهات التى يجب أن يعلمها الصغير قبل الكبير والصحفى قبل البرلمانى.. الجيش والمخابرات وأسرة الرئيس.. هكذا كانت الصحافة والبرلمان منذ الثمانينات التى شهدت انتخابات برلمانية فى 84.. أتيحت فيها للمعارضة مساحة من وجهة نظر النظام تمثل رفاهية ديمقراطية.. وتمثل للمعارضة جزءاً ضئيلاً من حقها.. وتمثل للرافضين من الشعب ديكوراً ديمقراطياً.. كما شهدت إصدارات صحفية أكثرها تأثيراً وتوزيعاً «الوفد». المهم أن البرلمان والصحافة ظلا على هذه الحالة فترة من الزمن.. وبدافع وطنى كانت المعارضة تتفهم ضرورة تجنب المؤسستين العسكرية والمخابرات من الخوض فيهما، أما بالنسبة لأسرة الرئيس فالأمر ليس بنفس القدر من الأهمية، وبالفعل لم تلتزم المعارضة فيما يخص الموضوع الثالث.. حتى إن الصحفى المشاغب الراحل أستاذنا سعيد عبدالخالق نشر فى باب العصفورة الشهير، الذى كان يقوم بإعداده، أخباراً عن أحد نجلى مبارك ووجوده الدائم أثناء إعداد حلقات فوازير رمضان ووجود علاقة عاطفية بينه وبين بطلة الفوازير واستمرت المتابعة الإخبارية التى أحدثت قلقاً فى ذاك الوقت وغضباً على الوفد.. ولكن الحق يقال أن نجل الرئيس لم يشاهد بعد ذلك.. ولم تمض سنوات إلا وفوجئ الجميع بإحالة الزميل الصحفى سيد عبدالعاطى إلى المحاكمة بسبب تقديم نجلى الرئيس مبارك بلاغاً ضده بسبب نشره موضوعات عن قضايا فساد.. وكان هذا بمثابة كارت إرهاب لكل الصحافة.. ولكن خوفاً من الاهتمام الإعلامىوالصحفىفى الخارج أجريت مصالحة لوقف المحاكمة.. بل وصل الأمر إلى غضب مبارك على الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد عندما نقل فى حديث أجراه مع مبارك تأكيد مبارك أن ابنه جمال تفاوض على شراء بعض الديون المصرية ممثلاً للبنك الأجنبى الذى يعمل به.. ولكن الانفجار الحقيقى الذى أثبت قوة الصحافة وأن الأمر ليس سهلاً لأى حاكم أن يفرض سيطرته على الصحافة، كان مع صدور مشروع القانون 93 الشهير بقانون اغتيال الصحافة الذى صدر فى جلسة نصف الليل وكانت الجلسة الأخيرة لدورة انتخابات 1990 – 1995 ومن هنا كانت انتفاضة الصحفيين ويومها تحول مبنى النقابة القديم فى نفس موقعها الحالى إلى منارة يستلهم منها الشعب المصرىالتصدى لأى عدوان على حرية الصحافة، وفى نفس الانتفاضة انطلقت أصوات مشاغبى الصحافة إلى فتح ملفات جمال وعلاء وهجوم فاق كل تصور على مبارك وأسرة الرئيس لم يشهده أحد من قبل، ولم يزعج نظام مبارك منذ أحداث الأمن المركزىفى 1986 إلا انتفاضة الصحفيين فى عام 1995 وكان قبل الانتفاضة بيومين احتفال للإعلاميين، وهنا طلب المرحوم جلال عيسى من الرئيس مبارك إعادة القانون مرة أخرى للمجلس فرد عليه الرئيس «القانون صدر» وقال قولته الشهيرة «إحنا ما بنبعش ترمس وما فيش حد على راسه ريشة».. ولكن بعد الانتفاضة التى لم يتوقعها النظام أخذ يرسل مبعوثيه ويوسطهم بأنه سيتم تجميد العمل بمشروع القانون ولم تطبق أحكامه على أحد، وبالفعل.. انتصرت إرادة الصحفيين بعون الله.. ولو كان النظام حينها يعمل حساباً لأصوات الحق من الصحافة.. وما تنشره من قضايا الفساد والاستبداد ما سقط النظام.. إن هذا المشهد ما زال ماثلاً أمام عينى إيماناً منى بأن الصحافة الحرة والمحترمة تضىء الطريق وأنه لا يمكن لأى صحفى أو كاتب يؤمن بقضية وطنه ومجتمعه أن يتراجع أبداً مهما كان كبت الحريات أو التضييق، فقد شاء العلى القدير أن تكون أول قضية فى ظل القانون المشئوم 1995 قضية رفعها أحد أمناء الحزب الوطنى وقياداته البرلمانية على شخصى بسبب نشرى قضية فساد له استولى على أرض آثار حينها قدرت بـ750 مليون جنيه وعقدت المحكمة أكثر من عشر جلسات فى ظل هذا القانون واستكملت المحاكمة بعد تغيير القانون فى بداية الدورة الجديدة للبرلمان فى عام 1996، وكانت محكمة جنايات جنوب القاهرة برئاسة المستشار الدكتور عماد النجار.. وحصلت على البراءة وصدرت قرارات محافظ الجيزة بإعادة الأراضي بناء على المستندات التي قدمتها للمحكمة حينها.. فهل يعتقد أحد أننا ممكن أن نتراجع؟ واهم ثم واهم ثم واهم من يظن أن الصحافة ستخرس يوماً أو تصمت على فساد أو استبداد أياً كان هذا النظام وأياً كان هذا الحاكم.