أما بعد...

المرأة .. بين الذهنيات المريضة والتحديات الصعبة..؟! بقلم/ وردة بية

 

روزال سوف

 

لاشك أن الحديث عن المرأة سيقودنا الى عوالم وأماكن  وأزمنة متعددة ، لنجد في كل منها اختلافا وتباينا يصل الى حد التناقض ، لأن مؤشر الحركة والحرية فيها مرتبط أساسا بتقاليد وأعراف المجتمع الذي تعيش فيه..ففي التراث العربي مثلا ، كان دور المرأة لا يتجاوز حدود الأنثى ، اللعوب ، الحبيبة  أو العشيقة، وفي حالات نادرة ، البطلة الشجاعة أو صاحبة المال والجاه..

ومن هنا يمكننا أن نستخلص الصفات المجتمعية للمرأة ، فهي إما أنثى رضيت لنفسها– بإرادتها أو بإرادة ولي أمرها – أن تكون مدرسة في بيتها ،معززة مكرمة لا تجد متعتها الا مع زوجها وأبنائها ، وهي التي  قال فيها المفكر علي الوردي:” المرأة في الواقع هي المدرسة الأولى التي تتكون فيها شخصية الانسان ” ،  أوهي انسان، اختارت طريق الريادة بعناية للوصول الى أهدافها الطموحة باستخدام عقلها ومواهبها . وهذا النموذج الذي تحدث عنه  المفكر زكي نجيب محمود فقال:” إنما تقدم المجتمعات وتطورها ، لا يقاس الا بمقدار ما وصلت اليه المرأة..”.

فالحديث عن المرأة الانسان عموما ، يجعلنا نخرج من حدودنا الجغرافية لننطلق الى بقاع شتى من المعمورة  ونستعرض تجارب عالمية  كانت فيها المرأة رقما صعبا في معادلة “اثبات الوجود”..

فالمرأة الغربية  مثلا  تجاوزت عملية البناء المجتمعي والاقتصادي والثقافي ، وانطلقت تشق طريقها نحو عوالم أوسع ، فاندمجت في السياسة ، وتدرجت في مناصب القيادة ، وما نشاهده اليوم في أكبر الدول ، صانعة القرار السياسي-  بتبوئها مقعد الرئاسة-  الا دليل اعتراف بنبوغها وقدراتها التي تساوي قدرة الرجل ..

ففي ألمانيا وبريطانيا ، وصلت انجيلا ميركل  وتريزا ماي الى سدة الحكم  .. وربما قريبا هيلاري كلينتون  في الولايات المتحدة ، التي ستسجل  بهذه الخطوة صعود أول امرأة في تاريخ دولة تقود العالم  “بكبسة زر”  .

صعود المرأة للحُكم ليس حكرا على الغرب فحسب، وانما هناك دولا محورية في المعادلة السياسية العالمية  دفعت بالمرأة الى الأمام ، كالأرجنتين التي حكمت فيها كريستينا فرناند لعهدتين متتاليتين.والبرازيل التي  حكمت فيها ديلما روسيفا ..الى جانب رئيسات أخريات كن نموذجا رائدا يحاكي جدارة المرأة كـ: وجوليا جيرالد رئيسة وزراء استراليا الحالية ، ورئيسة كوريا الجنوبية باك غن هي ، ورئيسة وزراء تايلاند ينغلوك شيناواترا،  وغيرهن الكثيرات.. ممن لازلن في هرم السلطة..فتاريخ وصول المرأة الى سدة الحكم في القرن العشرين  مليء بأسماء لامعة مثل أول رئيسة وهي سيريمافو باندرانايكا في سريلانكا ، وأنديرا غاندي في الهند  وكذا مارغاريت تاتشر في بريطانيا ، وغولدا مائير في اسرائيل..

الحديث عن وصول المرأة في الغرب وغيره ، يجعلنا ننكفئ للحديث عن انجازات المرأة العربية والمسلمة ، بل يكاد يكون مخجلا ، فبالكاد نحصي تجربة وحيدة وهي تجربة الرئيسة الراحلة بنازير بوطو في باكستان، لأن هذه المجتمعات قررت أن تظل فيها المرأة أنثى ، “ملكة في بيتها ” كما يروجون ، مُبعدة عن مراكز صنع  القرار لأسباب عديدة ومتشابكة أهمها،  الفهم الخاطئ للدين وتوظيفه العبثي في الحياة السياسية ، ومن ذلك الأحاديث المنقولة عن الرسول محمد (ص): “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة “و”المرأة ناقصة عقل ودين “، وتوظيف الآية  “الرجال قوامون على النساء” دون الرجوع الى زمكنة النص الديني وتفاسيره الصحيحة ، خصوصا في ظل سيطرة الأحاديث الضعيفة واستخدامها ضد المرأة .. كما أن هناك شبهة تُثار حول حديث ضعيف وخطير منسوب للنبي يقول:” يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب”.. والذي يروج لتشبيه  المرأة بالحيوان.!. هذا بالإضافة الى بعض الأعراف التي فرضت سلطتها القهرية على المجتمع من دون تفاوض أو حتى قبول منطق الحوار..

فمن هذه الذهنية أخذت هذه المجتمعات أحكامها عن المرأة ، وتبنتها هيئات الفتوى ، ورحبت بها الذهنيات المتشددة التي تلاقي رواجا كبيرا في عموم الجمهور، فقامت بترويج مفهوم “الحُرمة”.. ومن منطق “مُرغم أخاك لا بطل” قًبلت المرأة بالاستسلام والرضوخ.. ولهذا ظهرت في البلاد العربية والاسلامية باهتة لا يَكاد يُرى لها لون ، فبرزت كتابع ، تؤدي فقط الأدوار التي تَقبل بها الأعراف  ودور الفتوى .. لنشير في لفتة ، الى واقعة خطيرة حدثت بالسعودية  بمناسبة عيد المرأة 2016 ، عند انعقاد ملتقى بالمناسبة كان موضوعه متمركزا حول: هل المرأة انسان.. ؟.

هذا ، ومع صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتوقيع أغلب الدول على بنوده ، أصبحت هناك الزامية لحكومات هذه الدول للقبول بالمرأة كانسان من خلال اجبارية التعليم والشراكة في العمل ، فمنحتها دورا لابأس به في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وبدرجة أقل في الحياة  السياسية ..

ففي الجزائر مثلا، أحدث القانون 02-2012  ثورة في تمثيل المرأة بالمجالس المنتخبة، حيث رفع نسبة المشاركة السياسية من7 الى 31 % دفعة واحدة ، و بهذا الانجاز صعدت الجزائر الى المرتبة الأولى عربيا و28 عالميا.. كما أن طلبات العمل انصفتها، بل وفضلتها أحيانا على الرجل من خلال الزامية التوظيف التي يُقصي فيها الرجل بسبب وضعيته تجاه الخدمة الوطنية، فاكتسحت ميادين العمل  وبلغ عدد تمثيلها أكثر من 2.3 مليون امرأة في جميع القطاعات بنسبة مشاركة تقدر بـ 19 بالمئة، منها 70 بالمئة جامعيات ،لأن المرور إلى العملفي الجزائر يتطلب موارد بشرية مؤهلة،32 بالمئة مطلقات ، 18 بالمئة عازبات و11 بالمئة فقط متزوجات.. وهذا بحسب الديوان الوطني للإحصاء.. الى جانب ذلك استفادت من جميع برامج الدعم الموجهة للشباب بنسب مقبولة، وصلت في القرض المصغر الى أكثر من 50 بالمئة .. ورغم هذه الانجازات التصاعدية في حركة المرأة خارج البيت ، الا أن المختصين يرون أنها لازالت ضعيفة مقارنة بالدول المجاورة.

ومما سبق، نستنتج أنه وبغض النظر عن تلك الاستثناءات التي وصلت فيها المرأة الى القيادة ، الا أن النساء عموما ، لازلن في رواق المستضعفين ، ينتظرن الرجل ليأخذ بيدها ، والمجتمع ليقدرهن، والسلطة لتصدر قوانين تنصفهن، من دون أن يَكن هُن الفاعلات الأساسيات أو صاحبات الدور المحوري في تحقيق انجازات تواكب الركب.. ولهذا وقع عليهن ظلمهن لأنفسهن قبل ظلم المجتمع  والأعراف..

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى