كشك التحرير

تزامنا بالاحتفال بالذكرى الـ 69 لأحداث 8 ماي بتلمسان تسمية المدرسة التطبيقية للنقل والمرور باسم الشهيد “لواج محمد”

مجزرة إستعمار الفرنسي

     شهدت الاحتفالات بالذكرى الـ 69 لأحداث الثامن ماي بولاية تلمسان عدة نشاطات ثقافية ورياضية، حيث اختارت السلطات المحلية استرجاع هذه الذكرى بوقفة تأملية على مستوى مركز التعذيب بالمسمى شاطو بوسط مدينة سبدو والذي يعد واحدا من أكبر مراكز التعذيب بالمنطقة التي مازالت شاهدة على وحشية الاستعمار الفرنسي وفظاعة جرائمه المرتكبة ضد الأبرياء والعزل، كما يعتبر من المراكز التي مرّ عبرها من 500 إلى 600 مفقود بعد عملية التعذيب وهو من أسوإ مراكز التعذيب إبّـان الاستعمار الفرنسي الغاشم بالنسبة للمجاهدين الذين تجرعوا مرارة العيش ضمن جدرانه، وقد أمر والي الولاية بتهيئته وترميمه ليصبح معلما يصون ذاكرة الأمة وذلك عقب تفقده لهذا المركز والاطلاع على وضعيته الحالية.

     هذا وكانت السلطات الولائية التي يتقدمها والي الولاية قد استهلت برنامجها المخلّد للذكرى بوقفة ترحمية بمقبرة الشهداء بالحنايا وأخرى بمقبرة الشهداء لسبدو، ليتم في الأخير تكريم عدد من الوجوه الثورية من دائرة سبدو.

     وتخليدا لهذه الذكرى وتنفيذا لقرار الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي تمت في نفس اليوم تسمية المدرسة التطبيقية للنقل والمرور باسم الشهيد لواج محمد المدعو “الرائد فراج” خلال مراسم أشرف عليها رئيس أركان الناحية العسكرية الثانية العميد ياسين عـيدود الذي أبرز في كلمته أن “إطلاق أسماء شهدائنا الأبرار على الهياكل العسكرية هو تشريف عظيم لهذه الهياكل لكنه أيضا مسؤولية ضخمة على عاتق أفراد الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني”، مشيرا إلى أن “هذه المسؤولية تتطلب من عناصر الجيش بذل المزيد من الجهد والتضحية لرفع التحديات الكبيرة التي تواجه الجزائر والدفاع عنها وصيانة سيادتها واستقرارها”، كما قدم العقيد محمد نعمان قائد المدرسة من جهته كلمة أبرز من خلالها بطولات وتضحيات الشهيد الذي أصبحت هذه المؤسسة العسكرية التكوينية تحمل منذ اليوم اسمه، وبعد تدشين النصب التذكاري لتخليد الشهيد “الرائد فراج” داخل المدرسة التطبيقية للنقل والمرور شهد هذا الحفل الذي حضرته السلطات المدنية والعسكرية لولاية تلمسان تكريم عائلة الشهيد.

الشهيد “لواج محمد بن أحمد” المدعو “الرائد فراج”

     يذكر أن الشهيد الرائد فراج واسمه الحقيقي “لواج محمد بن أحمد” ولد سنة 1934 بوذانة  بني هديل تلمسان، ينحدر من أسرة كانت تمتهن الفلاحة ومتكونة من سبعة أخوة (خمس بنات وولدان هو أصغرهما)، زاول دراسته القرآنية بعد بلوغه الخامسة من عمره في الحناية ثم عاد إلى عين غرابة (بني هديل) سنة 1952 ليلتحق بمدرسة التهذيب التي أسستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لينهل من العلوم على يد شيخها الجليل “مصباح حويذق” وليقوم بمهمة التدريس فيها، ولشدة حزمه ونشاطه الفياض جلب انتباه أساتذة ومسؤولي دار الحديث التي كان يتردد عليها من حين لآخر حيث أتم معارفه ودعمها بتكوين سياسي رفقة النخبة المخلصة من أهل قريته، إذ نمت فيه الروح الوطنية منذ صغره فأحس بظلم الاحتلال الفرنسي وغطرسته ووسائله الوحشية في معاملة الشعب الجزائري، فأصبح الشهيد يؤمن بأن أنجع وسيلة للقضاء على الاحتلال هي الكفاح المسلح، وعند بلوغه التاسعة عشرة من عمره أصبح مطاردا من طرف القوات الفرنسية المحتلة جراء نشاطه السياسي السري، حيث عين رئيسا للتنظيم السري ببني هديل (عين غرابة) وممثلا له في المستوى الأعلى، وكان لهذا التنظيم السري الدور الفعال في تحضير المجاهدين وتسليحهم وتدريبهم استعدادا لنداء الجهاد في سبيل الله والوطن، حيث اضطر للانقطاع عن التدريس ومغادرة بلدته ومفارقة أهله ليستقر في مدينة سعيدة التي مارس فيها مهنة الخياطة وفيها عين رئيس فوج تحت اسم مستعار “السي عبد المؤمن” فأظهر كفاءته السياسية وقدرته على التنظيم الحقيقي رغم حداثة سنه، ثم عاد إلى قريته أثناء انقسام حركة انتصار الحريات الديمقراطية والتي كان منخرطا فيها، ثم عين عضوا في الجنة الثورية للوحدة والعمل حيث كان يهيء رفقة رجال مخلصين المخابئ للالتجاء ولتخزين الأسلحة والتموين ويتدرب معهم سريا على العمل العسكري، وقد مكنته معاناة شعبه من وطأة الاحتلال من طابع الجد و الصرامة والاستجابة لدعوة الثورة المباركة، ولما كانت القوات الفرنسية المحتلة تطارده غيّر اسمه المستعار فمن “السي عبد المؤمن إلى السي الطاهر إلى السي فراج إلى السي مبارك” وتولى بالتدريج منصب مسؤول القسمة ثم رئيس القسمة ثم رئيس المنطقة ثم مسئول الناحية الخامسة برتبة “نقيب”، وقد اعترفت قيادة الولاية الخامسة بمواهبه في الحرب فعينته مسئولا على المنطقة الخامسة برتبة “رائد” وتمكنت المنطقة الخامسة التي أصيبت بخسائر كبيرة في إطاراتها من الاستمرار والصمود في وجه العدو بفضل خبراته العسكرية الرفيعة.

     وبعـد اندلاع الثورة المباركة في أول نوفمبر 1954 استبشر الشهيد فرحا بفجر الثورة ونظرا لشجاعته المثالية وشدة العمليات الجريئة التي قام والتي أذهلت الفرنسيين وانتقاما منه أعدموا أباه وحطموا قريته “وذانة” عن آخرها بالطائرات، ولقد خاض الشهيد كثيرا من المعارك منها معركة “مرباح” ومعركة “جبل نوفي” ومعركة “التاج” قرب سيدي يوسف ومعركة بناحية ورقلة، كما مارس نضاله الحربي على طول الحدود المغربية الجزائرية بنواحي “بوعرفة” وكان يزرع الرعـب في صفوف العدو مما جعل جنود العدو يتساءلون أثناء الاشتباكات هل أنهم يتقاتلون مع أبطال السي الطاهر، وهذه صحيفة فرنسية  (الكيبي بلان) في ماي 1960 تصف إحدى المعارك التي كان يقودها فتقول قبيل منتصف النهار بقليل توقفنا على دوي النيران الذي فاجأنا بها الثوار فان هؤلاء قد دافعوا عن أنفسهم دفاعا مستميتا وكانت مقاومة الثوار بعد محاصرتهم من طرف الفرقة الرابعة مقاومة شديدة اضطرت جنود اللفيف الأجنبي إلى الاشتباك معهم بالسلاح الأبيض، كما أن الشهيد كان ذا فكر وثقافة واسعة، يقول عنه محمد الصالح الصديق انه كان حريصا عل الوقت ومحبا للقراءة وانه التقى به سنة 1960 بطرابلس (ليبيا)خلال انعقاد المجلس الوطني للثورة وطلب منه كتابا يقرأه في وقت فراغه ملاحظا أن العمر قصير وما يضيع منه دون الانتفاع به أكثر مما ينفق في النافع المجدي وكان على المكتب كتاب(دفاع عن الإسلام) للورا فيشيا فاغليري فأخذه، وفي صبيحة الغد أعاده وقد انتهى من قراءته، بالإضافة إلى الأخلاق الرفيعة امتاز الشهيد بالبساطة وعدم التكلف فأحبه جنوده وقادته الذين قاسمهم أفراحهم وآلامهم، كان سلوكه مثاليا في الطاعة والانضباط ونكران الذات فكان بحق أحد الرجال العظام الذين أنجبتهم الجزائر عبر تاريخها الطويل، إذ كان يناضل مع رفاق الدرب منهم الرئيس الراحل هواري بومدين، الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، العقيد لطفي، العقيد عثمان، بن علال، عبد القوي، احمد مدغري، عبد الجبار، نجيب، عبد الهادي، اينال، سليمان قايد، وغيرهم، وقد شارك الشهيد “الرائد فراج” إلى جانب العقيد لطفي في أعمال المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي انعقد بطرابلس (ليبيا) شتاء (1959-1960) وبعد انتهاء الأعمال طلب منهما الالتحاق بأماكن الكفاح، ولعبور الأسلاك المكهربة بالحدود الجزائرية المغربية كان عليهما أن يعبروا الصحراء رفقة ثلاث جنود، وبينما كانت القوات الفرنسية الاستدمارية تقوم بدوريات متتابعة وبعد حوالي ثلاثة أيام من السير اكتشفهم العدو جنوب بشار وهنا سارعت قوات العدو إليهم حيث دارت معركة طاحنة بمنطقة جرداء فكانت مقاومتهم عظيمة وجهادهم عنيفا الأمر الذي أرغم العدو على استعمال الطيران فكان رحمه الله المثل الأعلى في الثبات والشجاعة والنضال، وفي 27 مارس1960 سقط البطل شهيدا رفقة زميله العقيد لطفي ووهبا حياتهما فداء للوطن مقابل الحرية وباستشهادهما وضع حد لهذه الطاقة الخلاقة والشعلة المضيئة التي لم يخب نورها ولم تخمد نارها طوال أعوام متتالية بالأحداث الجسام ولكن إذا كان قد استشهد فان أعماله البطولية وخصاله النضالية مازالت تنير لغيره الرؤية الواضحة والنبراس المضيء على طريق الحرية والعدالة.  عبد الرحيم

زر الذهاب إلى الأعلى