فوروم التحرير

جريدة التحرير تناقش: وضع الجمعيات الخيرية ودورها في خدمة المجتمع

  • الدكتور عبد القادر مهوات: الوقف عبادة فيها أجر مضاعف لأن نفعه متعدٍّ إلى الآخر
  • زغدي محمد: رفضنا الإعانات من خارج الوطن لأنها مشبوهة
  • تامة الأمجد: تقاليدنا الاجتماعية مبنية على التعاون والتآزر وديننا يحث على ذلك

مدينتنا التي تشهد حركة عمرانية نشطة وتوسعا لم تشهده من قبل مع النزوح الريفي داخل وخارج المدينة ظهرت الكثير من النقاط التي تعتبر هشة نظرا للمستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي المتدهور وعدم الانسجام والفارق الحاصل لدى الساكنة من حيث المعيشة فهناك الكثير من الاسر تعاني الفقر والامية مما جعلها تلتجئ إلى التسول والبحث على لقمة العيش، ناهيك عن المصاريف الاخرى كالعلاج والكساء، فالبرغم ما وصلت إليه الجمعيات الخيرية النشطة في التكفل بالايتام والمعوزين والمرضى إلا أن التكفل ما زال لم يصل الهدف المنشود .

ولمناقشة هذا الموضوع استضاف فوروم التحرير مجموعة من رؤساء الجمعيات والنشطاء في العمل الخيري لكي يدلوا بأرائهم ومقترحاتهم الكفيلة بتطوير العمل الخيري والرقي بمؤسساته.  وهم/ الدكتور عبد القادر مهوات أستاذ الشريعة الاسلامية بجامعة حمه لخضر .الأمجد تامة ناشط جمعوي وعضو في جمعية إيثار لرعاية الأيتام ، قدور جمعة رئيسة جمعية دمعة اليتيم، عون الله عبد الرحيم عضو جمعية إحسان الخيرية ببلدية تغزوت ، زغدي محمد رئيس جمعية الفجر لمرضى السرطان ، سعيد فريدة عضو في جمعية دمعة اليتيم، العفيف دربال عضو جمعية فجر لمرضى السرطان

الأمجد تامة: العمل الخيري قديما كان في نطاق العائلة الكبيرة واليوم وصل الى العمل المؤسساتي

يبتدأ الامجد تامة الناشط الجمعوي وعضو بارز في جمعية إيثار لكفالة الايتام معرفا بالعمل الخيري ووضعه في نسق زماني معين وطبيعة الانشطة ونوعها وتخصصها طارحا أهمية هذا العمل قائلا: العمل الخيري أو العمل التطوعي بصفة عامة هو كل عمل ومجهود يقوم به الانسان لتحقيق منفعة معينة دون أن يأخذ أجرا وهذا العمل نابع من رغبة الشخص من أجل القيام بمصالح الناس وتقديم خدمات ذات منفعة. وبولاية الوادي هناك عمل جمعوي نشط ومهم وأغلب الناس يشعرون به ولا يقتصر العمل إلا على الجمعيات أو التنظيمات المهيكلة، فكل افراد المجتمع يقومون به لأن تقاليدنا الاجتماعية مبنية على التآزر وديننا يحثنا على التعاون، ففي السابق كان العمل غير مهيكل وغير منظم تقريبا وهو أقرب إلى العائلية أي التعاون لا يتجاوز الاسرة أو العرش أو الدوار وعندما تباعدت الاسر وتوسعت إلى أحياء وبلديات لم يعد النظام الاجتماعي المبني على الاسرة والعائلة ملب لمتطلبات الفقراء داخل الاسرة فجاءت المنظمات والجمعيات المؤطرة قانونا بقانون الجمعيات حتى تعطي للعمل الخيري والنشاط الجمعوي فعالية أكثر من حيث التنظيم والقدرة على احتواء هذا النوع من العمل الخيري وإذا رجعنا إلى الماضي قليلا فإننا نجد بأن العمل الخيري قديما في بلادنا كان في دور جمعية العلماء المسلمين وخدماتها الجامعة ونشاطها التعليمي والخيري سوى تعلق الامر ببناء المدارس أو التكفل بالفقراء من حيث المساعدة في الأكل والملبس وأغطية وأفرشة ابان سنوات الجمر في العهد الاستعماري وكذلك الدور النشيط لجمعية الاصلاح والارشاد منذ التسعينات وهي أيضا جمعية جامعة غير متخصصة تقوم بعدة أعمال خيرية متنوعة في محاربة الأمية والفقر ومساعدة المرأة وتأهيلها أسريا والاهتمام بالايتام وتزويج الشباب.

الأن قفزت الجمعيات قفزة نوعية سوى تعلق الامر بعملية التخصص في العمل الخيري أو بمستوى الخدمات المقدمة من حيث عناية أكثر ورعاية أو نوعية التخصص فظهرت جمعية الفجر للعناية بمرضى السرطان وجمعية إيثار لرعاية الايتام وكذلك جمعية خاصة بالطفولة المسعفة وهذا في نظري خطوة راقية نحو العمل الخيري وهذا ما كنا ننتظره من جمع التشتت وتوحيد الجهود وتنمية الأفكار التي من شأنها الرفع من الخدمة الانسانية حسب ما تقتضيه الحاجة في تسهيل العمل من حيث الاحصاء والتفرق التام للفئة التي لها نفس الحالة – يتيم – مريض – مسعف وهذه خطوة أولى تخرجنا من العمل الجامع إلى عمل المؤسساتي وهذا ما ذهبت إليه جمعية إيثار لرعاية الايتام وجمعية الفجر والتي تجاوزت خدمة اليتيم إلى المحيط العائلي المتواجد فيه اليتيم وتأهيل الأسرة من حيث دمجهم في الحياة الاقتصادية والانتاج والعمل المؤسساتي هو العمل الذي يقوم بمرافقة الاسرة نفسيا واجتماعيا والبحث عن الديناميكيات والآليات في البحث عن المشاريع التي توفر المال والوسائل والعمل وبذلك يصبح المعوز منتج يعول نفسه بنفسه دون اللجوء إلى التسول والتودد في الأسواق والتجمعات البشرية.

عون الله عبد الرحيم :نجحنا في إثارة إهتمام الناس بالعمل الخيري

وعن التجربة نفسها يحدثنا السيد عون الله عبد الرحيم عضو جمعية إحسان الخيرية الناشئة حديثا ضمن حدود بلدية تغزوت بولاية الوادي، فقال: تجربتنا في العمل الخيري مازالت في البداية وجمعية الاحسان الخيرية لبلدية تغزوت تقوم بمجهودات كبيرة رغم محدوديتها المادية ، فنحن قمنا بجمع شتات البلدة ووحدنا جهود الشباب نحو التضامن والعمل الخيري وأنشأنا روضة للتعليم ما قبل الدراسة.

كما تكفلت الجمعية بالاهتمام بالجنائز والافراح وذلك بتوفير الاجهزة والمعدات اللازمة كالأفرشة والأطعمة وغيرها من لوازم الفرح أو الجنازة ، والشيء الذي أفرحنا هو الوعي المتزايد يوما بعد يوم وادخال الفرحة على ذوي الحاجات الخاصة والفقراء في المناسبات الدينية كقفة رمضان وملابس العيد والدخول المدرسي ، ونشكر البلدية التي ساعدتنا بمناصب في إطار الشبكة والمانحين الذين منحوا الجمعية قطعين من الاراضي من أجل بناء مقر للجمعية ،ونحن متفائلون ونطمع في توسيع العمل الخيري وننتظر مبادرات أخرى تكون متخصصة على غرار ما هو حاصل في عاصمة الولاية.

قدور جمعة: هوايتي منذ الصغر هي خدمة الصالح العام

اللافت للنظر أن العمل الخيري لم يقتصر على الرجال فحسب بل يتعداه إلى الجانب النسوي ، جمعية دمعة اليتيم لصاحبتها قدور جمعة وهي رغم صعوبة العمل وشح الموارد إلا أنها تفانت في خدمة الايتام من كل الفئات حيث جهزت عرائس وكست أطفالا في العيد وساهمت في توزيع قفة رمضان وغيرها من الأعمال الخيرية وتتطلع لترقيتها إلى مؤسسة خيرية ،وهي ترى أن جمعية إيثار لرعاية الايتام قدوتها في العمل نظرا لما تتحلى به من مصداقية على مستوى الولاية والاشواط التي قطعتها في خدمة العمل الخيري ونوعيته وتتمنى أن تكون هناك توأمة أو شراكة مع إيثار نظرا لتخصص الجمعيتين في رعاية الأيتام وكون إيثار هي الضوء الأول في الوادي لما تكتسيه من خبرة وتجربة ، فمنذ نشأة إيثار-تقول- كنت محتكة بهم ثم استقليت بنشأة دمعة اليتيم وجاءت اسم دمعة اليتيم تيمنا بدمعة اليتيم الفلسطينية وهي جمعية فلسطينية هدفها خدمة أيتام فلسطين فمسح دمعة يتيم خير لي من الدنيا وما فيها وانا اخدم في سبيل الله وعلى قبري كما يقال وعن اشكالية التمويل تتحدث عن الصعوبة الحاصلة نظرا لكثرة الجمعيات الوهمية مما جعل الكثير من التجار لا يثقون في الجمعيات وعليه يجب أن تتضامن كل الجمعيات الفاعلة في وجه الجمعيات الوهمية والتكافل في البحث عن مصادر تمويل للجمعيات النشطة والهادفة .

فريدة السعيد : نحن نقوم بزيارات ميدانية ماسحة لكل تراب الولاية

وفي نفس السياق تضيف عضو جمعية دمعة اليتيم السيدة فريدة السعيد كل العمل بمجهوداتنا الخاصة فكل أعضاء الجمعية قائمين بالنشاط فالتجنيد يكون أكثرعند المناسبات كرمضان أو الدخول المدرسي والاعياد نكون كلنا مجندين في توفير الاعانة وفي توزيعها ،فالعمل مضني ولكنه ممتع خاصة عندما تدخل الفرحة بيوت الايتام في المناسبات ونحن الآن في بداية الشتاء وفرنا الكثير من الأغطية والألبسة و الادوية بما تجيد به اليد الحالية وفي حدود إمكانيات الجمعية. ولا نستطيع معرفة وضع الايتام والمعوزين إلا إذا قمنا بزيارات ميدانية ومعرفة أوضاع الايتام عن قرب عبر تراب الولاية ونقوم بعملنا في تقصي الحقائق من خلال الوثائق العائلية للأرامل ناهيك عن الذين يتصلون بنا، فمكانة الجمعية المادية أقل بكثير من الطلب رغم ذلك أملنا كبير في هذا عطاءات المحسنين.

العفيف دربال: لو دعمت الدولة الجمعيات الخيرية لاستغنت عن مديرية النشاط الاجتماعي

وعن جمعية الفجر لمرضى السرطان بالوادي والتي تعتبر أول جمعية مختصة حيث أعتمدت سنة 1996 كجمعية راعية لمرضى السرطان، وجاءت في وقت حساس حيث شهدت الولاية وقتها إصابات متعددة مما جعل المواطنين في قلق كبير فكانت الجمعية نتيجة حتمية بعدما مس هذا المرض شريحة واسعة من السكان وعن دور هذه الجمعية واستراتيجيتها يقول الاستاذ العفيف دربال: العمل الانساني هو عمل عالمي ونحن كمسلمين لنا باع طويل في العمل الانساني والخيري ، وجمعية الفجر تنشط على مستوى الوادي. وكان العمل في البداية يسير ببطء نظرا لصعوبة المرض من حيث الكشف المبكر والاعلان عن المرض والتكلفة الخاصة بالمعالجة كانت مكلفة كثيرا خاصة وأن الولاية تفتقد لمستشفيات متخصصة والعلاج كان خارج الولاية ناهيك عن التعايش مع المرض ومرافقة المريض نفسيا ، فالجمعية قامت بدور كبير جدا يتمثل في إجراء التحاليل والدواء ومصاريف السفر والإيواء وغيرها من مستحقات العلاج ، ونظرا للجهود المتكاثفة استطعنا بحول الله بناء مركز للجمعية يضم 40 سريرا ومرافق أخرى وصلت عملية الانجاز بها إلى تسعين بالمئة بفضل الرجال ونأسف لسلطات الولاية ووالي الولاية الذي لم يجتمع يوما مع هذه الجمعيات الخيرية على غرار الجمعيات الأخرى الرياضية والثقافية وغيرها والتي تحظى بأموال ضخمة تعد بالملايير ومئات الملايين في حين ان جمعية مثل احسان أو دمعة اليتيم المتغلغلة في اوساط المجتمع لا تحصل على شيء من هذا القبيل، لو اعطيت قفة رمضان إلى جمعية إيثار والامكانيات اللازمة لكانت أفضل بكثير من مديرية النشاط الاجتماعي ولو وزعت قفة رمضان لكانت وزعت توزيعا عادلا بدل أن تذهب لغير مستحقيها.

واستطرد في حديثه عن مرافقة المريض النفسية حيث أنشأت قاعة كبيرة داخل التجمع الجديد لجمعية الفجر لذلك خصصت أخصائيين نفسانيين للتخفيف عن معاناة المرضى وبحضور الدكتور عبد القادر مهوات أرفقنا فتواه في جمعية الفجر وقد فتحت لنا أبواب كثيرة للخير.

مهوات عبد القادر: المستعمر فعل فعلته في القضاء على الوقف الإسلامي

ويلتحق بنا الدكتور مهوات عبد القادر أستاذ العلوم الشرعية بجامعة حمه لخضر بالوادي وفي رده على سؤالنا حول أصول العمل الخيري في الاسلام على ضوء النصوص ومقاصد الشريعة يجيب: إذا تحدثنا عن العمل الخيري عموما والوقف كوجه أساس من أوجهه نقول إنه عمل انساني قبل أن يكون اسلاميا لو نتتبع العمل الخيري عموما والوقف خصوصا حتى في الدول غير المسلمة لوجدنا أشياء لم نصل إليها نحن في واقعنا المعاصر، والأسباب عدة قد نذكر بعضها . صحيح اننا وصلنا اليها أو اعظم منها في تاريخنا لو نرجع إلى تاريخ الوقف وننظر إلى كتيب صغير كتبه الشيخ مصطفى السباعي عنوانه”من روائع حضارتنا” تنظر إلى أشكال الاوقاف وتخصصها تجد أمرا عجيبا وحتى بعض الشخصيات الاسلامية نور الدين زنكي وصلاح الدين الايوبي الذي نعرفه بجهاده ضد الصليبيين وقد لا نعرف بجانبها الخيري والوقفي بالذات في عهود هؤلاء كانت أوقاف عجيبة، أوقاف خاصة بالقطط وأوقاف خاصة بالأواني المكسرة ، فالمؤسسة الخيرية هي جانب انساني كبير لكن الآن لماذا ضعف فينا لعل الشطر الأكبر قبل أن نحمل المسؤولية للمسؤولين أو المنظومة الدينية والمنظومة القانونية المعاصرة عندنا فالمستعمر الفرنسي فعل فعلته حيث دمر كل الاوقاف في الجزائر وبعد استرجاع سيادتنا وجدنا ان الكثير من الأوقاف قد ذهبت وإلا كنا سنشاهد شيئا عجيبا في سائر ربوع الوطن ، وأضاف: حتى يعود الناس إلى نظام الأوقاف هذا أمر يتطلب منا جهادا كوننا مختصين في الشريعة والائمة والمتكلمين نريد أن نقنع الناس من جديد أن الأوقاف من صور العبادات ذات النفع المتعدي والنفع الدائم التي أجرها عظيم عند الله لأن العديد من المسلمين المعاصرين يتصورون بأن الأجر الكبير في العبادات الشعائرية كالصلاة والصيام والقيام ، صحيح هي عبادات ولكن نفعها يقتصر على صاحبها بينما الوقف عبادة فيها أجر متضاعف لأن النفع متعد سيذهب إلى الأخر، فالواقف يوقف الأصل وسبل المنفعة الأصل موقوف لا يباع ولا يشترى المنفعة تسبل في سبيل الله سوى حدد الفئة كالطلبة وغيرها إذا حدد فنص الواقف كنص الشارع وهذا ضابط شرعي نص الواقف كنص الشارع فالناس يحتاجون لمن يذكرهم بهذه الجوانب حتى يتعبد لله عز وجل بالوقف وربما فيه من يغني في إطار الصدقة الاستهلاكية كل على حسب مقدرته.

ويضيف:لا اخفي سرا بعد تذكير الناس بحضارتهم وبالوقف والأجر الذي يمكن أن يجنوه منه وهذا دور الجميع وبالخصوص الأئمة ومؤسسات الإعلام والأقلام الهادفة ثم يأتي الجانب القانوني بأن هناك جهودا كثيرة قبل سنتين في جامعة الوادي عقدنا ملتقى وطنيا بعنوان : الوقف العلمي ، وما انعقد هذا الملتقى حتى أوقف ابناء الطالب البخاري عوينات مكتبة والدهم على المعهد وسرى هذا السلوك لدى الطلبة كل واحد حسب مقدوره في إثراء مكتبة المعهد، الكثير من يريد أن يقف شيئا في سبيل الله ليسجلهالا وتستحوذ عليه مديرية الشؤون الدينية حسب روايتهم ، وهذا واقع وظاهر عند الكثير ونحن لا نشكك في هذه المؤسسة القيمة على قطاع الشؤون الدينية، والمؤسسة فيها خير كبير لرفع الضين وحفظ كرامة الفقير ورفع الاحراج عن المانح الغني.

محمد زغدي:جمعيتنا رفضت التمويل الخارجي

ويذهب السيد زغدي محمد رئيس جمعية الفجر على مستوى الولاية بأن تقصير الدولة في تمويل هذه الجمعيات جعلها تعبث ، فجمعيتنا رفضت أي تمويل خارجي وقد اقترح علينا الكثير من التمويلات من المتكلف بالاتحاد الاوربي ورفضت مساعدات خارجية من دول غير اسلامية وهذا مبدأ حتى لا نقع في مشاكل قد لا يحمد عقباها وهذه المصادر المانحة مشكوك في نزاهتها وهي محل شبهة وعن أفاق العمل الخيري يرى زغدي محمد بأنه متوفر ولكن تكتنفه الفوضى فهو في حاجة إلى جدية وتنظيم من حيث الاداء والنوعية والتنسيق فيما بين الجمعيات الناشطة.

أدر الفوروم/أحمد ديدي

زر الذهاب إلى الأعلى