فوروم التحرير

شجون الحرف وقضايا الشّعر من خلال الملتقى الوطني التاسع للشعر الفصيح

نظّمت جريدة التحرير فوروما بمناسبةِ انعقاد الملتقى الوطني التّاسع للشّعر الفصيح، الذي نظّمه مكتب الاتحاد الوطني للكتّاب الجزائريين بالوادي يومي الرّابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر ديسمبر الحالي، بدار الثقافة بالوادي، حيث شهد حضورا مكثّفا من قبلِ الشّعراء والأدباء وعشّاق الحرف والشّعر الفصيح. استضاف الفوروم الذي أداره الأستاذ بيزيد يوسف و كلّ مع رئيس المكتب الولائي للاتّحاد الوطني للكتّاب الجزائريين الشّاعر صالح خطّاب والشّاعر عبد الحميد بريّك من تونس والشّاعر صلاح داوود والشاعر الشّعبي عبد الباسط كرثيو عضو الاتحاد الوطني للكتّاب الجزائريين حيث تمحور حول الملتقى وشجون الحرف وقضايا الشّعر.

التحرير: في البدء نرحّب بالضّيوف الكرام، ونبدأ بالشّاعر عبد الحميد بريّك، فمن هو عبد الحميد بريّك الذي أمتع الحاضرين بقصائده.

الشّاعر عبد الحميد بريّك: شكرًا على الاستضافة، عبد الحميد بريّك شاعر من تونس، مؤسّس ومدير الملتقى العربي للشّعر العمودي “عَمِيرةُ الحُجَّاج” ولاية المنستير بجمهورية تونس.

التحرير: قبل الحديث عن شجون الشّعر وقضاياه، كيف تقيّمون هذا الملتقى التّاسع للشّعر الفصيح كفعّالية أدبية وثقافية وإحدى أدوات ربط جسور التّواصل بين البلدان العربية؟

عبد الحميد بريّك: يعتبر هذا الملتقى بالنّسبة لي وكذا بقيّة الملتقيات في الجزائر والوطن العربي، وما من شأنه أنْ يكون دفاعا عن لغة الضّاد مهمًّا جدًا، وخاصّة في الجزائر التي يتهمها البعض بالميول للّغة الفرنسيّة، ولكن ما نراه على أرضِ الواقع عكس ذلك، حيث وجدنا حركةً نشيطةً تثمّن المجهودات التي يقوم بها الأخوة في قطاع الثّقافة في ولاية الوادي من مديرية الثّقافة إلى دار الثّقافة وفرع اتحاد الكتاب الجزائريين بالوادي. كنّا قبل بدء الملتقى قد ساهمنا في تقديم جائزة السّنام الذهبي بالمكتبة الرئيسيّة للمطالعة العمومية وهي بادرةٌ متميزة من نوعها، نادرة في البلاد العربية، حسب مشاركتنا في الكثير من الملتقيات العربية في تشجيع المطالعة والمطالعين، وهذا دعم للغة القرآن. أمّا هذا الملتقى التّاسع فله قدم راسخة دون ريب من حيث التنظيم والمحتوى المتميّز ولم تحدث أية مشاكل تنظيمية، فيه فقرات متنوعة كما جمع عديد الأخوة من الدول العربية بمستويات جيدة ومساهمات من شعراء ودكاترة وأدباء.

التحرير: الشاعر صلاح داوود، كنت متميزا كما الشّاعر عبد الحميد بريّك في إلقاء قصائدك، فمن هو الشاعر صلاح داوود؟

الشّاعر صلاح داوود: أستاذ لغة وأدب عربي متقاعد شاعر وأديب لي العديد من الدّراسات الأدبية والنقدية و لي مجموعة من الدّواوين آخرها صدر منذ شهرين ونصف في العراق في إطار نشاط البيت العراقي- التونسي الذي أنا كاتبه العام ، وأقمنا مهرجانا من خلاله نفتح الدعوة لكل شعراء الجزائريين وشعراء الوطن العربي ومنهم الشباب للمهرجان القادم في أفريل المقبل، والمسمّى” مهرجان الضّاد من تونس إلى بغداد”، وحرصنا على إصدار ديوان العرب الذي تضمّن اصدارا لأربع وخمسين شاعرا بمن فيهم من الصّومال واليمن والجزائر بمشاركة أربعة شعراء، وغيرهم من البلاد العربية، ويسعدني التواصل مع اتحاد الكتاب وخاصّة صالح خطّاب الذي عرفته افتراضيا وتشاء الأقدار أن نجتمع   لأوّل مرّة على أرض الواقع. حقيقة انبهرت عند دخولي لأول مرّة التّراب الجزائري، حيث شعرت أنّي في بلدي الثاني وسررت كثيرا بوجود جائزتين تمنح في الجزائر ومنها السّنام الذّهبي والكثيب الذّهبي وهو زخم من العطاء يتجسد ماديا،  وذلك لتكريم شعراء وأدباء بأعمار مختلفة ومنهم حتّى الأطفال، فهذا فعلا يعد عملا عظيما ومتميزا، مع مساهمة قطاع الثقافة بالتعريف بهم وتشجيع اصدارتهم، وطبعها ونشرها فهذا تحسد عليه الجزائر، وسيبقى هذا الخلود لإبداع الجزائر وهو بحقّ وسام، كنا نحلم بذلك في تونس،  وكنت أجتهد بمجهوداتي الشخصية لإصدار دواويني ولكن عندما نرى هذا الاحتضان للأدب والثقافة في الجزائر فهو بحقٍ تأصيلٌ للعمل الثقافي نابع من سياسة ثقافية رشيدة.

التّحرير: ما الذي يمثله هذا الملتقى التاسع وما التطوّر الذي شهده مقارنة ببقية الملتقيات؟

الشّاعر صالح خطاب : واكبت كلّ الملتقيات التي نظّمت للشعر الفصيح في هذه المدينة الرائعة، ومن ثم أخذنا كلّ ما هو إيجابي من الملتقيات الوطنية والعربية،  لاحظنا أن أغلب الملتقيات كانت تأخذ أكثر ممّا تقدم، ولذلك، انطلاقا من توجيهات السيد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي الذي عرفناه شاعرا وأديبا،  حيث جاء في ظروف اقتصادية صعبة استثنائية، جاء بمقاربة جديدة وهي إسهام رأس المال والقطاع الخاص في تفعيل العمل الثقافي وتشجيع الأدب والفن من خلال بعض الشركات الخاصّة ممن يتولاها من المثقفين أو ممّن يحبّون الثّقافة بهدف تمويل النشاطات الثّقافية ، من المستثمرين وبعض المثقّفين ولذلك ارتأينا ضرورة مساهمة الخواص، ولذلك جاءت جائزة الكثيب الذّهبي التي ساهم بها السيد عبد الحميد منصوري وهو شاعر وأديب ومثقّف من أسرة مثقّفة بامتياز، وكان همّه الثّقافة ومن ثمّ جاءت مساهمته بتمويل الجائزة سنويا والمقدّرة بـ 100 مليون سنتيم، وكنّا مع كلّ من السّعيد المثردي والدكتور يوسف بدّيدة والدكتور ميداني، والسّعيد حرير والأستاذ حسن لقرع والأستاذ عبد الحميد منصوري  وأنا فكرنا في دعم الشّباب المبدع بجائزة مالية معتبرة. وكان أنْ أعلن عبد الحميد منصوري بتمويله للجائزة بحضور يوسف شقرا رئيس الاتحاد الوطني للكتّاب الجزائريين، إضافة إلى طبع ونشر الابداعات الفائزة، حيث ذهبت الجائزة الأولى لسيدي علي جفّال من الجزائر وقد صادف ذلك أنْ وُلد له من التوائم طفلان، وفاز عن مجموعته الشعرية:” نرد بلا وجه ” قدّرت جائزته بثلاثين مليون سنتيم إضافة إلى الطبع والنشر، أمّا الجائزة الثّانية فهي للشّاب أحمد بو فحتة،  25 سنة، من جيجل عن مجموعته ” هكذا تحدثت عيناها ” مقدرة  بـ 25 مليون سنتيم، إضافة إلى الطبع والنشر، أما الجائزة الثالثة فرجعت للشاعرة سميّة محنّش من باتنة عن مجموعتها الشّعرية” ذلك الكنز المكنون” وقيمتها 20 مليون سنتيم، إضافة إلى الطّبع والنشر.

بدوري أثمن العمل والدّعم والاستشارة من قبل السيّد مدير الثقافة سحّار محمد الربيعي والسيّد مدير دار الثّقافة جمال عبّادي، على ما قدّماه من تسهيلات كبيرة، وكَانَا خير خلف لأحسن سلف، وأتمنى أن يبقيا على هذا العهد وأكرّر شكري الخالص لكل طاقم المديرية والادارة من عمّال، فقد كانوا بالفعل مجنّدين للعمل الثقافي.

التّحرير: هل يمكن أن يرتقي هذا الملتقى إلى مهرجان مغاربي أو عربي، كتدعيم للعمل الثقافي ووحدوي ثقافي انطلاقا من الفنّ والشّعر؟

الشّاعر صالح خطاب: في الواقع نحن نعمل وحدنا ومع الغير، وأرى أنّ العمل الثّقافي العربي هو عمل مشترك ثقافيا، وها هم الاخوة من تونس معنا، كما كان الاخوة من فلسطين وغيرها من البلاد العربية ونحن دائما في تنسيق مشترك، والعالم أصبح قرية واحدة بفضل التواصل الاجتماعي ومن ثم فقد أصبح العمل المشترك واقعا يفرض نفسه، وتواصلنا مستمر، نحن نهدف إلى عمل مشترك، وما أريد التركيز عليه هو عملية المجايلة والتّواصل مع جيل الشّباب لأنّه هو من يحمل المشعل مستقبلا.

الشّاعر عبد الحميد برّيك: بالفعل هناك تواصل مستمر فلا يكاد يخلو ملتقى أو مهرجان من مشاركات جزائرية في تونس والعكس صحيح، ومنها المهرجان العربي للشّعر العمودي ” عَمِيرة الحُجَّاج” إذ لدينا مشاركات جزائرية مهمّة جدا كلّ سنة، وكل موسم ثقافي، حيث يصل عدد المشاركين من الجزائر إلى ما لا يقلّ عن ثلاثين مشاركا ومن بينهم محاضرون ولجان تحكيم وشعراء وأدباء، ولا يوجد بيننا حواجز أو دعوات فكلّ شيء أصبح يتم تلقائيا. ما شدّني في هذا الملتقى أنّ المشرفين هم كفاءات علمية، وما دامت هناك كفاءات مثل هذه تتواصل مع الشّباب فهناك توجيه ومرافقة ممتازة تميّز بها الملتقى، والحقيقة أنّ الانتقال لملتقى عربي مُكْلف جدا، لأنّنا نهدف في كلّ ملتقى تقديم إضافة، وليس فقط لأن يكون اسمه ملتقى عربي، والأولوية تكون دائما لأبناء الجزائر.

التحرير: لاحظنا أنّ الشّاعر الشّعبي عبد الباسط كرثيو كان دائم الحضور والمساهمة في هذا الملتقى، فما انطباعكم على هذا الملتقى، وما يشدّكم نحو الشّعر الفصيح؟

الشاعر عبد الباسط كرثيو: في الواقع أشكر الأستاذ صالح خطاب الذي ما فتئ يشجّعني على كتابة الشعر، وما شدّني هي مبادرة الجوائز التي أرى أنها تشجيع ميداني وعملي، والواقع أنّي أعشق الشعر مهما كان نوعه، وصدقوني تفاعلت بشدة وبحضور دائم طيلة الملتقى.

التحرير: هناك من يقول الآن أنّ ظروف العالم العربي لا تسمح بالعودة للشّعر وهو نوع من الوقت الضّائع، وهناك من يرى أنّه يجب التوجّه لأصناف أخرى من الشّعر، فما رأيكم وتعليقكم على ذلك؟

الشاعر صلاح داوود: شكرا على السّؤال الذي طالما راودني، حيث ألقيت قصيدة في هذا المجال وكنت نظمتها في اليوم العالمي للشّعر، الواقع، دون شعر يصبح الانسان بليد الفكر، فهل نحن أكثر تقدما من اليابان أو ألمانيا، التي تقدّمت ولم تتخلّ عن شعرها، وفي ألمانيا تطبع يوميا الكتب الأدبية بأرقام كبيرة، فنحن نريد أن نوهم أنفسنا ونسقط الفشل على الشّعر، والواقع، في بعض ملتقياتنا يأتي بعض كبار الشّعراء والكتّاب من بريطانيا وهولندا وعلى حسابهم الخاص تثمينا وتشجيعا للشّعر والشّعراء. فبعض الشّعراء يلهبون الثّورات ويحرّكون الجماهير وإلاّ لما يدخلونهم السّجون والمعتقلات؟، فالكلمة والشّعر له وقعه على النّاس ويعبّر عمّا تجيش به خواطرهم بغض النظر عن نوعه، فالمسألة في الوظيفة التي يقدمها، للأسف هناك طرح خاطئ وتناقض صارخ.

التحرير: هناك تنوّع كبير الآن في الدّراسات النّقدية والشّعرية التي يرى البعض فيها تقييدا للشاعرية، فكيف يمكن أن يوفّق الشّاعر بين هذه القيود والصور الشاعرية والجماليات الفنية، حتى يصل إلى الجمهور ومن ثمّ يتفاعل معه؟

الشاعر عبد الحميد : ماذا أقول عندما يقيم شاعر أعراس شعر ولا يمتلك الشّعر، الشّاعر الذي نتحدث عنه لابد أن تكون له موهبة شعرية مع حذق اللغة،  فعلا هناك متطفّلون ودخلاء على المشهد الشّعري بل وينفرون النّاس من جماليات الشّعر، فالدّراسات النّقدية بعضها غير موضوعي ومنهم دكاترة يقدّمون لكتب رديئة،  هذا هدم للّغة والشّعر وتشجيع للرداءة، فالشاعر الحقيقي يكون موهوبا ثم يتقن صنعة الشّعر أي أن يجمع بينهما أي يكون موهوبا وصانعا للشّعر، الشّاعر الحقيقي هو الذي يبحث عن الكَيْفِ وليس الكَمّ أي عن رقيّ القصيد، فبعضهم يكتب قصائد في أيّام قلائل، في حين أنّ زهير بن أبي سلمى كان يكتب الحوليات، فقد تتم القصيدة في سنة، وأنا شخصيا، أنا أكتب على الكَيْف وأحيانا لُزوم ما لا يلزم فأحيانا ألتزم في القافية أربعة أحرف أو خمسة أحرف أو حرفا مشدّدا أو الضّاد المفتوحة كقافية وهذا أمر صعب لكنّه يضفي جمالية الايقاع والصّور لأنّني أشعر بمسؤولية أخلاقية على الشّعر العمودي خاصة، أنا متهم اتهاما غير صحيح بالتشدّد للشّعر العمودي لأنّي أحرص على تقديم الاضافة. والحمد لله بعد قراءاتي يتأثر الكثير بها ويساهم ذلك بإرجاع النّاس للشّعر.

 

التحرير: كلمات ختامية للشعراء.

الشّاعر صالح خطّاب: الفعل الأدبي يتم مناصفة بين الفعل الثّقافي والاعلامي، ومن ها هنا أتقدم بالشّكر الجزيل لرجال الاعلام ووسائله ومنها التلفزة الوطنية، قناة النّهار، جريدة التحرير وجريدة الجديد، وأخصّ بالذّكر اذاعة سوف وعلى رأسها عبد السلام عشيري الذي نقل مجريات الملتقى على المباشر شخصيا، وأنا أعتبر نفسي من الأسرة الاعلامية والجميل هو حضور وسائل الاعلام للنشاطات الثّقافية ودورها مهمّ وضروري، وكلّ الذين يسهمون في الثّقافة على المستوى المحلّي والوطني.

وكذا قطاع الثّقافة وأعتذر لمن نسيت ذكره فنحن يجمعنا الهدف والفعل الثّقافي، الحمد لله أبناء هذه المنطقة يعشقون الثّقافة من أطباء واطارات وكل فئات المجتمع وأخصّ بالذّكر طبيب العيون الدكتور محمد جاب الله الذي يساهم معنا في دعم الثّقافة وهو ابن شاعر والكثيرين من أمثاله. كما أنّ الابداع يوجد حتى لدى بعض رجال الأمن ومنهم شعراء متميزون فالإبداع متجذر في الجزائر، نريد أن نبرزه ونثمّنه.

الشاعر صلاح داوود: كلمتي أن أقول شعر في الجزائر:

جئنا الجزائر أرض

جئنا الجزائر عزف النّار يراقصنا

والنجم رائدنا من أبعد الطرق

جئنا عطاشى الهوى لم نروِ غلّتنا

ما زال في الصّدر ما نهدي من الخفقِ

أرض حباها بعرس الجمر عاشقها

هل ترتضيني بلا عرس فوَ حرقِ

نار الجزائر أغوتني لذاذتها حتى

انتشى الحرف من لذّي ومن نزقِ

الشاعر عبد الحميد بريّك، أما أنا فأقول :

ما زلت أبحث في الأحلام عن وطنٍ** فالأهل جاروا وما أبقوا لنا وطنا

قد ضيّقوا الأرض قسرا بعدما رحبت *** فما استطابت لمن فوقها سكنا

ولا استطاب سماها الطير من فزع *** ولا استراح الذي في بطنها دُفِنا.

بيزيد يوسف.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى