فوروم التحرير

ضرورة البدء بالحلول الوقائية قبل الردعية فوروم التحرير يناقش موضوع العنف ضد المرأة .. الدوافع والمآلات

أضحى العنف عموما يشكل ظاهرة دولية تجاوزت كل الحدود والعادات والثقافات والديانات لدى شعوب العالم بمختلف أعراقه وحضاراته ، ويشكل موضوع العنف ضد المرأة خصوصا حديث المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية منذ زمن ليس ببعيد، وذلك نظرا لما تشهده المرأة من تعسف وهضم للحقوق واحتقار لجنسها كونها أنثى والحلقة الاضعف في الرباط الاجتماعي وهو ما يدخل ضمن دائرة العنف المعنوي والنفسي ناهيك عن نظيره الجسدي كالضرب والقتل والاغتصاب وما يتبعه من آلام وتبعات مما يبقى له الاثر السلبي الملازم لحياة المرأة المعنفة..

ورغم اللوائح والمناشير المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل التدابير والاحتياطات والتحسين من الوضع الاجتماعي للمرأة على مستوى الدول إلا أن ظاهرة العنف ضدها ما زالت مستفحلة ومتفشية  من خلال ما تكشفه الارقام في المنظمات الحقوقية على المستوى العالمي وهي أرقام مذهلة ومخيفة لا تستثني الطفلة ذات الخمس سنوات إلى المرأة المسنة في عمر السبعين سنة.

وبمناسبة اليوم العالمي للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة نظمت جريدة التحرير فوروما بالمناسبة حضره كل من الاستاذ الطاهر الادغم أستاذ بجامعة حمة لخضر بالوادي والاستاذ المربي المتقاعد مهرية مكي ومقى أحلام رئيسة مركز أحلام للاستشارات الاسرية كما رافقنا أيضا محافظ الشرطة يوسف بومعراف رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة بمديرية أمن الوادي وزميله الملازم الاول خميس محمد عبد الله من نفس الخلية لمناقشة هذه الظاهرة والبحث عن الدوافع التي تؤدي إلى العنف وإلى  الحد من انتشاره.

وحول سؤالنا عن الدوافع التي يتخذها الكثير من الناس أسلوبا في التعامل مع المرأة أوضحت الاستاذة أحلام بأن الدوافع كثيرة ومتعددة قد تكون نفسية كأن يريد المعنف أن يبرهن أنه الاقوى والافضل والاجدر وقد تكون الدوافع اجتماعية سببها الشعور بالنقص والدونية وقد تكون كذلك دوافع اقتصادية مادية، وبالنسبة للدوافع النفسية أحيانا يكون المعنف بفتح النون هو المعنف بكسر النون كرد فعل ونتيجة نمط العلاقات الاجتماعية في بعض البيئات التي تورث هذا السلوك الفض في التعامل وفي حل المنازعات والاختلافات وكذلك النمط التربوي الذي يسلكه الطفل في الاسرة والتي تميز الذكر عن الانثى كونه رجلا وهي إمرأة ،فهو عماد البيت وهي مجلبة للعار فينمو الطفل وفيه عقدة الذكورة والاستقواء على الانثى والتي تعتبر أقل منه مرتبة وعليها أن تخضع لسلطته الذكورية.

وفي تدخله الطاهر الادغم استاذ بجامعة الوادي حول المعايير التي يتخذها المجتمع في التفريق بين الذكر والانثى وابعاد هذه المعايير يرى الاستاذ الطاهر بأن المعايير التي نتصورها تعود إلى مشكل قيم التي تجعل الكثير يعنفون المرأة أو الطفل. وفي مجتمعاتنا علمونا أن الرجولة تعني التسلط والتعالي عن المرأة وعلى كل ما هو ضعيف، وحتى القوامة في عقيدتنا الاسلامية يستخدمها الكثير بمفهوم خاطئ ويتخذون من القوامة ذريعة للسيطرة وللعنف والتمييز بين الرجل والمرأة.. وهناك مشاكل كثيرة أخرى منها أن الرجل اليقيني هو دائما الرجل الصائب ودونه خاطئ وهذا مشكل نفسي واجتماعي ويعد عقدة تضخم، وبالتالي يتبادر إلى ذهنه أنه هو السيد الذي عندما يدخل إلى البيت يدخله بعنف حيث يضرب، يكسرويشتم ويفعل ما يشاء بحكم أنه هو السيد الصائب والذي يجب أن يسمعه الجميع، فلو خفت اليقينية عندنا لخفت كل المشاكل وعلى جميع المستويات. وحول إذا ما كان هناك اختلاف بين المجتمعات فنحن مثلا كشعوب عربية نختلف عن الشعوب الاخرى في نظرتنا للمرأة، كوننا نحن مسلمين ولنا معاييرنا الخاصة ونمطنا الثقافي الخاص، فيجيب الدكتور الطاهر الادغم أننا بالطبع نختلف عن الاخرين، فنحن مسلمون ولنا منظومة قيم جاء بها الاسلام وتحمل عدالة للجميع ونحن أقرب إلى هذه القضايا أكثر من غيرنا لأن ثقافتنا تحثنا على الرفق بالمرأة ومساعدتها وتحثنا على التضامن والتعايش واحترام الفرد لأخيه لأن الرسول (ص) قدوتنا وكان يساعد زوجته في البيت ويخيط رداءه ويرقع ثوبه، فكان بارا بأزواجه وهو مثلنا الاعلى وقدوتنا وخير معلم لنا. وقد يكون الغرب وصل إلى المساواة من حيث القوانين التي تنصف المرأة إلا أن المرأة مازالت تعاني في العمل وفي الشارع وحيث ما كانت فهي تتعرض يوميا للتحرش والضرب والتعنيف والاغتصاب ، والارقام مخيفة عندهم كما تتحدث التقارير خاصة في بلدان لها تقاليد مدنية وقانونية وثقافة راسخة.

ولكن للأسف رغم ما عندنا من قيم متسامحة في نصوصنا الدينية وأدبيتنا الاسلامية إلا أن شعوبنا تعيش حالة من التشظي والانفصام فيما نعتقده ونؤمن به وفي سلوكيتنا التي تظهر بعكس ذلك وهذه مشكلة عويصة.

وفي حديثه عن التربية يرى الاستاذ والمربي المتقاعد مكي مهرية بأن كل المنظومات التربوية المنتهجة لم تغير من الصور النمطية المأخوذة عن الانثى وهي امتداد في ذلك للأسرة والمدرسة التي فشلت فشلا ذريعا في كسر هذه التصورات الذكورية المهيمنة بداء من التجليس داخل الصف أو التعامل مع الانثى رغم التفوق الدراسي الذي فرضته المرأة عن الرجل.

وبالرجوع إلى الاستاذة رئيسة مركز أحلام للاستشارات الاسرية في سؤال حول أنماط العنف التي لامستها من خلال تجربتها في تدخلاتها الاستشارية فأجابت بأن العنف الذي تعيشه كثير من النساء داخل الاسرة نفسي وسببه الاهمال واللامبالاة والهجرمما يؤدي إلى الاكتئاب والانتحار،ناهيك عن الضرر المادي والنفسي كالضرب والاحتقاربين الازواج ،حيث أن المرأة تصل إلى درجة وكأنها غير موجودة تماما وهذا أخطر أنماط العنف، فالمرأة لكونها إمرأة فهي الحلقة الاضعف بحكم التقاليد والعادات والتي تبجل الرجل عن المرأة ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة منها عدم التجانس، وكثير من المتزوجين غير مؤهلين بأن يبنوا مؤسسة اسمها الأسرة الخلية والمحضن الأول للمجتمع. وهذا المشكل يتساوى فيه المثقف والجاهل فنظرة أن الرجل رجل وهي امرأة وهو السيد وهي الخادمة، تلك النظرة هي السائدة.. بالاضافة إلى مايسمى بالعنف الالكتروني الذي سلب الروح الحميمية للأزواج ،وأصبح الرجل على علاقة مع نساء من العالم الافتراضي وهذا أيضا صنف من العنف الاخرالذي يحدق بالأسرة وعلى رأسها المرأة الضحية الكبرى. وفي تدخل محافظ الشرطة رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة السيد بومعراف يوسف تحدث بلغة الأرقام عن العنف على مستوى وطني وولائي لمدة التسعة أشهرة الاخيرة ، وقال أنه على مستوى المديرية العامة للأمن الوطني فالحصيلة هي 7586 قضية وعلى مستوى ولاية الوادي سجلت تسع وسبعون قضية للنساء المعنفات عنفا جسديا ،وبالنسبة للاسباب فأهمها والتي سجلت على مستوى مديرية الامن بولاية الوادي تتمثل في سوء المعاملة ثم يليها العنف الجنسي والمضايقات الجنسية .. وبقية القضايا لم تباشر فيها الاجراءات لعدة اسباب منها التراجع لكثير من النساء المعنفات لأسباب أسرية مرتبطة بالأصول أو الفروع خوفا من الايداع في السجن خاصة إذا كان المعنف الاب او الاخ حسث يكتفين بتدخلنا من أجل تخويفهم، ونحن مؤسسة أمنية مهمتها حماية المواطن وتعمل ضمن شروط قانونية مرتبطة بالنيابة العامة ولسنا مؤسسة تخويف، ولهذا عندما يطلب منا أن نتدخل فنظرا لما ذكرنا نتدخل بشكل غير علني حتى نحافظ على سرية الاسرة ووحدتها وذلك بالمصالحة بين الاطراف المتنازعة، أما إذا كان فيه عنف يخلف ضرر مادي عيني حسب تقرير الطبيب تأخذ الاجراءات القانونية مسارها وتحول إلى العدالة. ونلاحظ أن كثيرا من الشكاوي الراجعة الى العنف الذي يتعرض له النساء في الشارع فأغلبها يسجل ضد مجهول، مما يصعب علينا تحديد هوية المعتدي إلا إذا كان المجرم معروف فإننا نصل إليه.

وفي دور الشرطة على مستوى أمن ولاية الوادي من حيث التحسيس والتوعية تفضل الملازم الاول خميس محمد عبد الله التابع لخلية الاتصال التابع للأمن ولاية الوادي بشرح المخطط الامني في هذا الشأن بقوله أن المديرية العامة للأمن الوطني انتهجت سياسة الشرطة الجوارية والهدف هوترسيخ الثقافة الامنية لدى مختلف شرائح المجتمع ليس فقط ضد المرأة، فكل معنف بفتح النون ماديا أو معنويا من المجتمع والمرأة هي جزء من هذا المجتمع، وفي هذا الاطار قمنا بحملات تحسيسية توعوية على أكثر من صعيد مع مؤسسات حكومية ومدنية وخاصة مع مديرية التربية الشريك في هذه العملية التوعوية والقصد منها هومحاربة الاسباب المؤدية للعنف بصفة عامة كخطورة المخدرات والمهلوسات والخمور التي ذهبت بعقول الشباب وهي مسببات لها الاثر الكبير في العنف مثل المراودة في الشارع. وأضاف المتحدث بأن فرق الشرطة المعنية تعالج العنف حسب طبيعته، إن كان ضربا وجرحا عمديا أو عنفا عن طريق الشبكة الالكترونية أو سب وشتم، فإن الفرق المعنية تقوم بإجراءات التحقيق وتكوين الملف ويقدم إلى العدالة ،فالدستوريكفل حق المرأة قانونا وقانون العقوبات يتكفل بردع كل أشكال الاجرام التي يتعرض لها المواطن .

وحول السبل والتدابير في تصور الاستاذة ضيوف الفوروم التي تحد من ظاهرة العنف ضد النساء، ترى أحلام مقى صاحبة مركز احلام للاستشارات الاسرية بأن الحل هوفي العودة إلى تعاليم الاسلام الذي يدعونا إلى الحب والسلام، وكذلك البحث عن أسباب المشاكل الحقيقية وبناء حوار بناء متكافئ. ويرى الدكتورالطاهر الادغم أن كل هذه المشاكل تغيب عندما نملك مشروع مجتمع يراعي حداثتنا وحضارتنا ويكون للمرأة الدورالكبير فيه، لأن المرأة عندنا وصلت إلى رتب قيادية وفي مناصب حساسة، وكذلك لابد من حملة تحفيز قيم عامة تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع الحكومية والمدنية. ومن جهته محافظ الشرطة يرى أن الحل الأنجع يتم عن طريق الأسرة لأنها القاعدة الأولى في التنشئة الاجتماعية ، وأضاف بأن المرأة في الجزائر دورها بدأ يتحسن والمؤشرات كلها ايجابية عن وضعها الاجتماعي والمهني وحتى الامني ، كما أن الوعي عند المرأة في تحسن يوم بعد يوم خاصة في فهم القانون. ويختم الملازم الأول خميس بكلمة موجزة ،هي ضرورة البدء بالحلول الوقائية قبل تلك الردعية، لأن الأولى لها الأولوية على الثانية دائما.

تنشيط: أحمد ديدي

تحرير: اسمهان رزاق زوازي

زر الذهاب إلى الأعلى