B الواجهةتحقيقات

ظاهرة خطف الأطفال مأساة تبحث عن حلّ

إختطاف الأطفال

الأولياء يدقّـون ناقوس الخطر ويطالبون بالقصاص بعد تزايدها بشكل مخيف…

شهدت حالات اختطاف الأطفال بالجزائر ازديادا مخيفا في السنوات الأخيرة، ممّا خلق خوفا ورعبا بين الأهالي، واستنفارا أمنيا عاليا لمواجهة هذه الظاهرة وتقديم المجرمين للعدالة.     وفي انتظار قوانين أكثر ردعا من طرف الحكومة التي استعجلت خلال هذا الشهر باتخاذ إجراءات صارمة ضد المختطفين للبراءة، بدأت معظم العائلات   باتخاذ إجراءات صارمة أثناء تنقل الأطفال إلى المدارس أو اللعب في الساحات.

وأرجع معظم المختصين من النفسانيين وغيرهم من الجمعيات المدافعة عن حقوق الطفل ممن حاورتهم “التحرير الجزائرية” العديد من حالات الاختطاف إلى أسباب مادية بالدرجة الأولى، ويندرج هذا في إطار المتاجرة بالأعضاء البشرية سواء لأغراض طبية أو من أجل الشعوذة، حيث تسجل معظم قضايا اختطاف أطفال من أمام أبواب المدارس من الطورين الابتدائي وعادة من المتوسط مباشرة بعد خروجهم من المدرسة، خاصة أولئك الذين يضطرون لقطع مسافات بعيدة للوصول إلى المدرسة، أين تستهدفهم عصابات تعمل على الاعتداء عليهم، في المقابل قوات الأمن لا تتحرك إلا بعد 48 ساعة من التبليغ، في حين أثبتت التحريات أن أغلب حالات القتل تتم ساعات قليلة بعد الاختطاف وخاصة عـندما يتعلّـق بجرائم الاعتداء الجنسي، إذ أخذت ظاهرة خطف الأطفال منحى آخر بالبلاد، و ضحايا الجرائم البشعة التي ترتكب في حقّ الطفولة الجزائرية، فقائمة الضحايا طويلة جدّا والأسباب مختلفة ومتعددة، لكن تبقى الحلول منعدمة من أجل حماية مستقبل الجزائر من الاختطاف والاغتصاب والقتل البشع.

فبولاية قسنطينة وحتى تلمسان استيقظ الرأي العام عـلى وقع عدّة قضايا أثارت حفيظة السكان، ولا تزال خيوطها لم تتضح حتى الآن، كان آخرها القضية التي أفشلتها مصالح الشرطة القضائية لأمن دائرة الحنايا والتي تتعلق بمحاولة اختطاف طفلين في السن العاشرة من عمرهما، وحسب نائب رئيس خلية الإعلام بمديرية الأمن لولاية تلمسان أنه بعد تلقي مديرية الأمن للولاية مكالمة هاتفية من قبل مدير المدرسة الابتدائية بوشارف حسين مفادها اختطاف تلميذين يدرسان بنفس المدرسة التي يشرف عليها، وعليه انتقلت الشرطة القضائية إلى عين المكان للتحرّي حول القضية، أين تبين أن العملية وقعت فعلا، لكن التلميذين اغتنما فرصة ازدحام حركة المرور وسط المدينة للفرار من المركـبة متوجهين إلى المدرسة، ويتعلق الأمر بكـل من ( ج.م.أ ) و( د.م.ع ) 10 سنوات ينحدران من بلدية الحناية، وخلال التحقيق وبعد عرض بعض الصور ذوي السوابق العدلية على القاصرين بالحضور الدائم لأوليائهما تعرّف القاصر ( ج.م.أ ) على أحدهم وهو ذو سوابق عـدلية، ويتعلق بالمدعـو ( غ.أ ) 23 سنة مقيم ببلدية عين الحوت، حيث تم تقديم المتورط أمام وكـيل الجمهورية لدى محكمة الرمشي الذي أحال القضية على قاضي التحقيق بنفس المحكمة، هذا الأخير الذي أمر بوضع المتهم المتورّط تحت الرقابة القضائية، وفي نفس السياق اهتزت مدينة سبدو عـلى وقع حادثة العثور على طفلة جثة هامدة بداخل برميل حديدي بأحد المساكن في طور الانجاز بقرية الشهيد بن عيسى عكاشة بالمخرج الجنوبي لبلدية سبدو.

سبدو…الكـل يبكــي سنــاء

الطفلة المسماة ” بوكليخة سناء ” صاحبة الست سنوات تلميذة تدرس بالأولى ابتدائي، اختفت عن الأنظار بعد خروجها من المدرسة الخميس الماضي، ليستمر البحث عليها طيلة نهار الجمعة، وبعد تطويق القرية من قبل مصالح الدرك الوطني والشروع في عملية البحث التي تجنّد لها سكان القرية، وباستثمار المعلومات وتسييرها تم العثور على الطفلة بأحد مساكن في طور الانجاز وسط برميل حديدي جثة هامدة على بعد حوالي 200 متر من مسكنها التي تقطن به، وحسب الشهادات فقد لاحظ زملاؤها من التلاميذ أنها كانت رفقة أحد الأشخاص مقرّبين من أمها باعتبار أن الطفلة سناء يتيمة الأب، وهذا مباشرة بعد خروجها من المدرسة، ليقودها إلى اتجاه غير معيّن، وعلى اثر تسرب الخبر ومباشرة التحقيقات تم إلقاء القبض على المشتبه به الذي يبلغ من العمر 32 سنة وبمكان العثور على الطفلة تم إلقاء القبض على شاب آخر في عشرينيات من العمر ، قد يكون شارك في هذه الجريمة، التي تحولت أخبارها إلى حديث العام والخاص ليس في سبدو بل في كافة أنحاء الولاية التي قدم منها العديد من المواطنين لمعرفة حقيقة الجريمة، التي بكـت لها القلوب قبل العيون، حيث بدت شوارع مدينة سبدوخالية من مشاهد لعب الأطفال وركضهم وسباقهم، وبخلاف ما جرت عليه العادة، فإن الشوارع خلت من الأطفال بعد هاجس الخوف الذي انتاب السكان.

ضبط شبكة دولية متخصصة في خطف الأطفال الجزائريين

 وبيع أعضائهم باتجاه المغرب نحو الدول الأوروبية

وبالعودة إلى السبع سنوات الأخيرة فقد سجل على مستوى ولاية تلمسان عدّت حالات اختطاف أوصلت مصالح الأمن إلى تفكيك شبكة دولية مغربية متورّطة في خطف الأطفال من الجزائر نحو التراب المغربي عـبر الحدود، بواسطة أفارقة ومغاربة وجزائريين يقومون ببيع الطفل الواحد بـ 40 مليون سنتيم لأفراد الشبكة بوجدة المغربية، حيث تستأصل أعضاءهم البشرية لتحول بعدها نحو أوروبا، حيث انكشفت خيوط هذه الجريمة التي تقف من ورائها عصابة دولية تتخذ من مدينة وجدة المغربية مقرّا لها، بعد توقيف عناصر تنشط بمغنية بتلمسان أسندت لها مهمّة اختطاف الأطفال الجزائريين ثم تهريبهم عبر طريق حدودي مشيا على الأقدام نحو التراب المغربي، وتبين من خلال التحقيقات الأمنية مع الموقوفين، أنهم من جنسيات مغربية وآخرين من بلدان إفريقية يقيمون بطريقة غير شرعية بين الجزائر والمغرب، وتضم الشبكة أيضا بعض الجزائريين، وحسب ما أفاد به أحد العناصر الموقوفة لمصالح الأمن، وهو مغربي يقيم بمدينة الناظور شمال المملكة المغربية، فإن الشبكة مختصّة في اختطاف الأطفال بالجزائر وتهريبهم عبر الحدود الغربية إلى عيادات خاصة بمدينة وجدة وضواحيها لاستئصال أعضائهم البشرية، خاصة الكلى وقرنية العيون، وأوضح أن الطفل الجزائري البالغ من العمر سنتين مثلا يباع بحوالي 40 مليون سنتيم، وكان هذا المغربي مكلفا باختطاف أحد الأطفال الصغار، ثم نقله على متن سيارة من نوع رونو 12 تنتظره على بعد أمتار لتهريبه إلى الحدود، ومنها إلى مدينة وجدة التي يتم التنقل إليها بعد قطع مسافة حوالي 8 كلم سيرا على الأقدام، ليتم تسليمه إلى رئيس الشبكة، الذي يقوم بدوره ببيع الأطفال إلى عيادات طبية جراحية خاصة بمدينة وجدة وعديد من المدن المغربية، وذلك لاستئصال أعضائهم البشرية خاصة الكلى وقرنية العين، لبيعها لشبكات المتاجرة بالأعضاء البشرية التي لا يستبعد أنها تنشط على مستوى دولي، كما كشفت التحرّيات عن وساطة جزائري يقيم بمغنية، كان يقوم بجمع معلومات عن الأطفال المرشّحين للاختطاف بترصد تحرّكاتهم ووضع الخطة للمغربي، وعدد من الأفارقة من المهاجرين غير الشرعيين من مالي والسينغال والنيجر، قدره المغربي بحوالي 6 أفارقة، إضافة إلى مغربيين، كان دورهم يتمثل أيضا في النقل وتوفير التغطية الأمنية، حيث كانت مصالح الدرك والشرطة أكدت في وقت سابق عدم معالجتها أية قضية تتعلق بالمتاجرة بالأعضاء البشرية، في تعليق على سلسلة الاختطافات التي مست، خاصة فئة الأطفال، في عديد من المناطق والولايات، وقد كانت مصالح الدرك بولاية تلمسان قد أحبطت قبل حوالي خمس سنوات محاولة اختطاف صبية تبلغ من العمر 3 سنوات من الكونغو، تقيم مع والدتها اللاجئة بالعاصمة، وتم تهريبها إلى مغنية وطلب الخاطفون فدية مقابل تحريرها، قبل توقيفهم من طرف عناصر الدرك، ولا يستبعد خطف الطفلة للمتاجرة لاحقا بأعضائها البشرية، وتفيد بعض المعطيات أن أجهزة الأمن المغربية قامت أواخر سنة 2006 باكتشاف مقبرة بمسكن مغربي يقيم بمدينة وجدة عثر بداخلها على حوالي 16 هيكلا عظميا لأطفال تقل أعمارهم عن 10 سنوات، لا يستبعد نزع أعضائهم البشرية ودفنهم في هذا المكان، وتكتم المحققون المغاربة عن الكشف عن نتائج التحقيق، إلا أن تحقيقات الشرطة الدولية ”أنتربول”، في قضية توصلت إلى توقيف الشبكة الدولية للمتاجرة بالأعضاء، التي يقودها اليهودي ”ليفي روزمبوم”، إلا أن عددا من الأطفال الجزائريين في المدن الغربية تم اختطافهم وتحويلهم إلى المغرب، لتهريب كلاهم إلى إسرائيل وأمريكا لبيعها ما بين 20 ألفا و 100 ألف دولار.

سعيد، كوثر، أنس…ضحايااختطاف

الطفل سعيد…واحد من بين الضحايا، حيث أفشلت مصالح الدرك الوطني لدائرة مغنية سنة 2006 وهو في الثانية من عمره أنذاك محاولة اختطافه من طرف مغربي، وكانت بدايتها عندما توجه رب عائلة إلى محل لبيع المواد الغذائية بحي أولاد بن صابر التابع لبلدية مغنية الحدودية، وترك زوجته وابنه الصغير داخل سيارته من نوع 504، ليستغل شخص، تبين لاحقا أنه مغربي الجنسية، غياب الوالد، وحاول اختطاف الصغير ” سعيد ” البالغ من العمر عامين، لكن والدته قاومته وقامت بالصراخ، خاصة أمام إصرار الخاطف على أخذ الطفل، وفي هذه الأثناء، كان أفراد الدرك الوطني في دورية على بعد أمتار ليتدخلوا ويتم توقيف الخاطف متلبسا وتحويله إلى الفرقة الإقليمية للدرك بمغنية للتحقيق، حيث توصل الدرك إلى أن الخاطف شخص مغربي يبلغ من العمر 30 عاما وكان مقيما بمغنية بصفة غير شرعية منذ حوالي 6 أشهر.

وفي صيف من سنة 2009 تعرّضت الطفلة “كوثر” البالغة من العمر سنتين بقرية سيدي المشهور التابعة لبلدية حمام بوغرارة إلى عملية اختطاف، بعد أن كانت تلعب برفقة أبناء أخوالها قرب عـتبة المنزل عندما كانت في زيارة لجدّها “الحبيب”، قبل أن تستدرجها عجوز في عقدها السادس التي أغرّتها بمنحها الحلوى، مستغلة براءتها وقلة حيلتها، وراحت تداعبها حتى اكتسبت ودّها فحملتها وانطلقت مهرولة باتجاه نقل القرية باتجاه دائرة مغنية.

الأطفال الذين فزعـوا من سلوك هذه العجوز وتخوّفوا منها عادوا مسرعين إلى المنزل لإخبار عائلة الطفلة كوثر، لكنهم لم يصغوا لكلامهم، حيث كانوا منهمكين في تحضير مراسيم حفل زفاف ابنهم، لكن وأثناء محاولة ركوب المختطفة حافلة نقل المسافرين، لم يجد الأطفال وسيلة سوى تبليغ رجال الحرس البلدي الذين كانوا يتواجدون بالقرب من المكان، حيث تم تخليص الطفلة وإعادتها لأهلها سالمة معافاة، ليتم القبض على العجوز، واقتيادها لفرقة الدرك الوطني لبلدية حمام بوغرارة، ليقدّم والدها وخالها شكوى ضد المرأة المنحدرة من دائرة سيدي أمجاهد، فيما أكدت مصادر من عين المكان أنه لا يستبعد أن تكون هذه المرأة من ممارسات الطقوس السحرية والتي تستخدم في ذلك أعضاء البشر، أو ناشطة ضمن شبكة تهريب الأطفال باتجاه المغرب، وقبلها بسنة واحدة أي في صيف من سنة 2008 قدّمت مصالح الشرطة القضائية لمديرية أمن تلمسان إلى وكيل الجمهورية سبعة متهمين تورطوا في فضيحة من العيار الثقيل وتتمثل في بيع أطفال حديثي الولادة أنجبتهم أمهاتهم بطرق غير شرعية وحاولن رميهن أو التخلص منهن بكل السبل خوفا من العار والفضيحة، وقد جاءت عملية تفكيك هذه العصابة من قبل مصالح الشرطة القضائية جاء بعد تحقيقات متواصلة وترصد  قامت بها ذات المصالح والتي أسفرت عن توقيف امرأة أكّـد بشأنها أنها المتهمة الرئيسية، حيث وضع المتهمون جميعا تحت الرقابة القضائية، كما تمكنت مصالح الشرطة القضائية من خلالها إلى الوصول إلى أحد الخيوط الرئيسية التي مكنتها من تفكيك الشبكة المختصة، وتم التأكد أن أفرادها يقومون ببيع المواليد الجدد للأمهات العازبات إلى نساء عقيمات بمبالغ تصل قيمتها أحيانا إلى 6 ملايين للطفل الواحد، علما أن هذه الشبكة كانت تنشط ليس على مستوى ولاية تلمسان فقط، بل امتدت إلى ولايات مجاورة أخرى مثل وهران، وسيدي بلعباس، كما سبق لذات المصالح الأمنية أن فككت عديدا من الشبكات التي كانت تعمل على اختطاف الأطفال، كالقضية التي عالجتها مصالح الشرطة أواخر سنة 2006 بعد اكتشاف محاولة اختطاف الطفل أنس من منزله بمدينة سبدو وتحويله إلى ولاية أخرى بغرض بيعه أو المتاجرة بأعضائه.

وحسب المعلومات التي استقيناها من التقارير الأمنية، أن الجزائر شهدت في هذه السنة أكثر من 30 ألف حالة عنف ضد الأطفال، أما حالات الاختطاف فقد تم إحصاء ما يفوق 15 حالة اختطاف شهريا لأطفال تتراوح أعمارهم من سنتين إلى 10 أعوام، فيما تم تسجيل أكثر من 500 طفل مختطف بين 2010 و2012، من بينها فقط أكثر 270 حالة سجلت السنة الماضية أغلبهم تعرّضوا للاعتداء الجنسي أو القتل بهدف السحر والشعودة أو لسرقة أعضائهم  وبيعها.

“التحرير الجزائرية” وخلال تحقيقها هذا ومحاورتها لمختلف فئات المجتمع بما فيها، الجمعيات، المجتمع المدني، مسؤولون في أجهزة الأمن، أئمة…أجمع بعضهم على أن معظم حالات اختطاف الأطفال وقتل عمدي التي وقعت بتلمسان قد لا تتعلق بعمل إجرامي أو بشبكة إجرامية، بل قد يتعدّى ذلك إلى تصفية حسابات بين الكبار والتي يروح ضحيتها أطفال أبرياء لا ذنب لهم.

من جهتها أكدت جمعيات أولياء التلاميذ على مستوى بلديات ولاية تلمسان أن ظاهرة مقتل واختطاف الطفلة ” بوكليخة سناء ” الأسبوع الماضي بقرية الشهيد بن عيسى عكاشة بالمخرج الجنوبي لبلدية سبدو، ولّدت ضغطا نفسيا كبيرا لدى الأطفال وخوفا كبيرا، قد يشكل لهم عدة عقد نفسية مستقبلا إذا لم يتم استدراكها في أوانها مقترحة على السلطات الوصية، إيجاد حلول جذرية لإنهاء ظاهرة الاختطاف والإجرام التي عرفت انتشارا كبيرا مؤخرا، والتي لن تكون إلا بتطبيق عقوبة القصاص، خاصة وأنها موجودة في القانون الجزائري، داعية إلى فتح نقاش موسع حول مبدأ تطبيق القصاص لأن من قتل، يجب أن يُقتل.

ملف من اعداد :عبد الرحيم

زر الذهاب إلى الأعلى