غريزة السيسي

معاريف / ايلي افيدار
القيصر الروماني سبتيميو سيفاروس، في القرن الثاني الميلادي، كان شخصية شاذة بين حكام الامبراطورية. سيفاروس، الذي ولد في افريقيا، وصل الى الموقع الاعلى رغم أنه لم يكن من نخبة روما. وكان استيلاؤه على الحكم المفتاح لنجاح: فقد فهم سيفاروس قبل الوقت من بين دوائر النبلاء لا يؤيدوه، ولكنه حرص على الا يمس بهم حتى يوم تصفية المدعي للقيصرية، البينوس. وعندما صفي البينوس، صفيت ايضا النخبة المؤيدة له، التي حتى تلك اللحظة اشتبهت بالجميع. وحظي سيفاروس بانهاء حكمه بشيخوخة صالحة. لم يكن كاريزماتيا مثل ماركوس اورليوس، ولكنه عرف دوما كيف يسبق خصومه بعدة خطوات. وبدلا من تخطيط الانقلابات وجد هؤلاء أنفسهم في حالة دفاع دائمة عن النفس، يقاتلون في سبيل أملاكهم، مكانتهم وحياتهم.
خرجت مصر أول أمس مرة اخرى الى الانتخابات، ولكن هوية المنتصر معروفة مسبقا. مثل سيفاروس، لا يبقي عبد الفتاح السيسي شيئا للصدفة. فهو ليس كاريزماتيا مثل جمال عبدالناصر، ولم يتحدد كخليفة كحسني مبارك، ولكن ليس هناك من يفهم مثل السيسي الفوضى التي تسود مصر بعد الثورة وليس هناك من عرف كيف يستغل الظروف في صالحه مثله.
فقد ولد في الحي القاهري المتواضع «الجمالية». ومن عرفوه تحدثوا عن شخص جسد حلمه بمجرد قبوله في الدراسة الجامعية في الاكاديمية الحربية المصرية. عن شيء اكثر من هذا لم يحلم أحد. السيسي، المؤمن الملتزم، درج على الدفاع عن الاسلام في اثناء تأهيلاته العسكرية في الولايات المتحدة وفيبريطانيا. وقد دفعت هذه الحقيقة الاخوان المسلمين الى اختياره كخليفة للطنطاوي المنحى، ربما الخطأ الاكبر في تاريخ الحركة.
حقيقة أن السيسي لم ينحن ِ أبدا رأسه امام الأئمة كان يفترض أن تكون ضوء تحذير للاخوان، ولكن يبدو أن رماديته وهامشيته سمحتا له بان يمر من تحت الرادار. وعندما فحص مرسي ورجاله القيادة العسكرية بدا لهم السيسي الاختيار الافضل: متدين مؤمن وعديم الطموح. وما بدا كرمادية اتضح كهدوء نفسي نادر. السيسي حقا مقتنع بانه ليس ملزما بان يثبت شيئا لاحد. فهو لم يكن جزءا من الدوائر الاجتماعية للضباط المصريين. ومن الخطأ اعتباره رجل «الجيش» كونه لا يمثل أحدا باستثناء نفسه.
ذات الهدوء أتاح للسيسي بان يعمل بتصميم لا رحمة فيه في الطريق لتحقيق اهدافه.
النقطة الاساس لفهم شخصيته هي السيطرة المضرجة بالدماء على مخيمات الاحتجاج التي اقامها الاخوان المسلمون، والتي جبت حياة ما لا يقل عن 800 متظاهر في آب 2013. وقد أوضحت الولايات المتحدة للسيسي بشكل لا لبس فيه بانها تعارض العنف. وقد بدا خيار المقاطعة الاوروبية معقولا ايضا. وخاف قادة الحكم الاخرون من أن يخرج جموع الإخوان المسلمين الى الشوارع مطالبين بالعداء والثأر. والسيسي وحده لم يخف. كان يعرف مسبقا بان السعوديين سيهرعون لمساعدته في الكفاح ضد الاخوان المسلمين وانهم سيعوضوه عن التجميد المتوقع للمساعدات الامريكية.
أحاسيس السيسي الحادة وقراءته للواقع واضحة ايضا بالنسبة لاسرائيل. فهو يصرح عن التزامه الكامل باتفاق السلام دون أن يتلوى ودون أن يتلعثم. اما الالاعيب والغمزات فيتركها للاخرين. ولكن لا مجال للخطأ. التزامه لا ينبع من محبة اسرائيل. والسلام من ناحيته هو المصلحة الحالية لمصر.
اذا كان مبارك رأى في اسرائيل دولة ينبغي اعادتها الى حجمها الطبيعي – جارة صغيرة مع 7 مليون نسمة – فبالنسبة للسيسي اسرائيل هي واحدة من ثمانية لاعبي الشطرنج الذين يواجههم بالتوازي. الى جانبها يقف اليسار المصري، الجيش المصري، الولايات المتحدة، السودان، دول الخليج. دول افريقيا وايران. وليس مثلما في الشطرنج، كل هذه الالعاب تجري بالتوازي. على ذات اللوحة. نوصي جدا القيادة الاسرائيلية الا تستخف بالسيسي. وحاليا فانه يظهر تقنية الفنان الكبير.