كتبتُ الأمثال الشعبية المُتداولة فِي مَنطقة الأوراس وهي تُعالج مَواضيع اِجتماعية مُختلفة
الشاعر و الكاتب رجب ساعد السعود من خنشلة في حوار لـ“التحرير”:
كتبتُ الأمثال الشعبية المُتداولة فِي مَنطقة الأوراس وهي تُعالج مَواضيع اِجتماعية مُختلفة
رجب ساعد السعود، ولد يوم 10 ماي 1968 بتبويحمت بلدية الولجة ولاية خنشلة، يعيش حالياً فِي مَدينة خنشلة، مُوظف لدى مُديرية الخدمات الجامعية بِالولاية، أما عن المستوى التعليمي فهو السنة الثالثة ثانوي شعبة آداب وفلسفة، و لِظروف عائلية صعبة لم أُكمل دراستي، لذا تَوجهت للحياة العملية، تَعلمت صناعة الحلي والمُجوهرات(الذهب) فِي سن العشرين وحصلت علَى شهادة تَصنيع المُجوهرات عام 1989م مِن طرف السيد بوزنيتة محمد، وهو صائغ مَشهور فِي عاصمة الأوراس باتنة، كذلك ساعد هو ناشط جمعوي مُنذ عام 1994م، وفِي هذه الفِترة بِالذات كَانت ثورة فِكرية وثقافية مَلحوظة. اِندمجت مَع النَّاشطين فِي المَيدان وشاركت فِي عدة جمعيات ذات طابع تَاريخي وثقافي وسياحي، وشاركت فِي العديد مِن التظاهرات المِحلية والوطنية، وكَانت تِلك بِداية اِهتمامي الأَكبر فِي مَجال التراث الأوراسي الأصيل، خلال مِشواري، قمت بمُهمة إقامة مَعرض بمدينة خنشلة لإِحياء ذكرى يوم العلم عام 1994م، وقد أتاح هذا المَعرض فُرصة لِعرض الكتب وبَيعها، وفِي عام 2007 شاركت فِي تَظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وشاركت أيضاً فِي الصالون الأول للصناعات التقليدية الذي أُقيم فِي ولاية خنشلة، ولَما تَوليت مَسؤولية الأنشطة الثقافية فِي الإقامة الجامِعية حيث كُنت أعمل، لعبت دوراً مِحورياً فِي تَعزيز البرنامج بِمجموعة واسعة مِن الأنشطة الجذابة بِمُشاركة المُنظمات الطلابية، وتقديراً لجهودي تَم مَنحي مُكافآت رمزية وشهادات شرف وتَقدير لجدارتي وإنجازاتي الاِستثنائية،
وبالإضافة إلى ذلك، أعرب رئيس بلدية خنشلة عن اِمتنانه مِن خلال مَنحي وِسام شرف واِستحقاق.
التحرير:كيف كانت انطلاقتك في عالم التأليف ؟
فِي سنواتي الأولى، اِنجذبت نحو الرسم، كَوسيلة لِتوصيل أفكاري وتحدياتي فِي المَدرسة الابتدائية، كَان لدي مَيل قوي للتعبير عن الذَّات وسرعان مَا أَصبحتُ بارعاً فِي الإنشاء، بعد دخولي مَرحلة المُراهقة، اِتجه تَركيزي إلى كِتابة الشعر الشعبي، لَكن رغم المُحاولات العديدة، لَم أنجح. وفِي وقت لاحق، تَخليت عن هذه المَساعي الإِبداعية حتى اِكتشفت شغفي عن طريق صنع المُجوهرات وتَقليد التَصاميم المُعقدة مِما أعادني فِي النِّهاية إلى جذوري الفنية. وكَما ذكرت مِن قبل فإن مُشاركتي فِي الجمعيات واِتصالاتي مَع الناشطين فِي مَجال الكتابة مثل الأستاذ محمد الصالح أونيسي وكَذلك الأُدباء والمُؤلفين فِي ولاية خنشلة، هو مَا شجعني على الكتابة. فقد كَتبت أَول مَرة عن صناعة الحلي فِي مَجلة صدى خنشلة عام 2011م، والتي كَانت تُصدر دورياً ثُم تَوقفت عن النشر، لَكن السبب الرئيسي الذي جعلني أنخرط حقاً فِي مَجال الكِتابة هو مُديرة الثقافة لولاية خنشلة آنذاك، السيدة صبيحة طهارات، التي أعطتني فكرة جمع القِصص والأمثال الشعبية وكِتابتها حفاظاً على هذا المَوروث الثقافي، والأُستاذ نذير بوثريد الذي كَان يَشغل مَنصب مُدير المَكتبة الرئيسية للمُطالعة العمُومية بالولاية، الذي مَنحني الثقة فِي نَفسي وثِقتي فِي قدراتي الكتابية بِعبارة (ما تحڤرش روحك)، والحمد لله هاهو الكتاب قَد خرج إلى النور، أتمنى أَن ينال الرضا والإعجاب.
التحرير:من كان مدعمك و مساندك الأول في حياتك ؟
أَول مَن يُشجعني دائماً على عدم الاِستسلام للفشل كَانت أميرة العائلة المُدللة، اِبنتي الكُبرى، التِي كِانت تَتمتع بِشخصية قَوية ورثتها مِن صلابة جرجرة وشموخ جبال الأوراس، وأِما دعم حياتي والنور الذي يُنير لنا الطريق إلى الأمَام هِي الزوجة الكريمة، كَانت أما وزوجة وصديقة مُخلصة، حفظها الله مِن كل سوء.
التحرير: ماهو تأثير المحيط على ولوجك عالم الكتابة والتأليف ؟
كَان تأثير المُحيط إيجابيا للغاية فِي دخولي عالم الكتابة، وقد اِستقبلوا خبر صدور الكتاب بِكل الدعم والحمَاس، وحثني كُل الأصدقاء والأقارب والعائلة على الاستمرار فِيه والكتابة أكثر.
التحرير:تخصصك في الآداب والفلسفة هل أثر في حياتك الشخصية أولاً و محيطك ثانياً ؟
مِن الناحية الإيجابية، نعم، لأن هذا التخصص يُقربني كثيراً مِما نَتحدث عنه اليوم، بِحيث أَن أَهمية الفلسفة بِالنسبة للفرد هي تَحفيز الإنسان إلى قِمة نُضجه النَّفسي ومُساعدته على تَحقيق هدفه، وهِي تَندرج تَحت فِئة العلوم الإِنسانية مِثل علم الاجتماع واللغويات والأنثروبولوجيا وعلم النفس والتاريخ،أما الأدب هو أحد أشكال التعبير عن كَافة المَشاعر والأفكار والهمُوم الإنسانية مِن النثر إلى النثر المُنظم إلى الشعر المُتوازن، بأرقى أُسلوب فِي الكتابة، مِما يَفتح الباب أمام قُدرة الإنسان علَى التَّعبير عمَا لا يُمكن التعبير عنه.
التحرير:ألفت مؤلفا تحت عنوان “أمثال شعبية بالدارجة الأوراسية “، حدثنا عنه ؟
هو عبارة عن مَجموعة مِن الأمثال الشعبية المُتداولة فِي مَنطقة الأوراس، يَتم من خلالها شرح المُصطلحات العامية أو الشاوية أو حتى المُصطلحات الفرنسية الدخيلة، ولتوضيح مَعنى الأمثال قدمت لهم تَعليقات مُفصلة باللُّغة العربية الفُصحى، وهذا عندما اِكتشفت خلال عمَلية البَّحث أَن بَعض الأمثال الشعبية فِي الدول العربية لَها أوجه تَشابه، فَهي تَحمل نَفس المَعنى أو تَختلف فِي المَضمون، لذلك قُمت بِتفسير هذه الأَمثال بناءً على مَفاهيمها ومَعانيها عندنا، حتى لا يَتلبّس الأمر على القارئ، ولتسهيل قِراءة هذا الكتاب والتنقل فيه، قُمت بترتِيبه حسب الترتيب الأبجدي.
التحرير:كيف قمت بجمع هاته الأمثال الشعبية ؟ وما سر اختياركم منطقة الأوراس الأشم ؟
قُمت بِجمع هذه الأَمثال الشعبية بناءً على مَا أعرفه ومَا أتذكره، ثُم تَواصلت مَع بَعض الأَشخاص الذين يُجيدون الأقوال، وأَخذت مِنهم أَمثالاً لَم تَكن مَكتوبة عندي، وأَخذت مَعي ورقة ، كُلما سمعت مَثلاً وفهمت مَعناه أُدونه حتى لا أَنساه، وعندما أعود إلى المَنزل أَقوم بِتشغيل جهاز الكُمبيوتر وأُسجل مَا كتبته على الورق، كَما بَحثت أيضاً فِي بَعض المَراجع فِي المَكتبات وعبر المَواقع الإلكترونية، وكَان اِختياري لمَنطقة الأوراس أولاً وقبل كُل شيء الانتماء.
التحرير:هل ترى أن الأمثال الشعبية تتغير من منطقة لأخرى ؟و هل من أمثلة عن ذلك ؟
نَعم تَتغير لأنها تُراث شفهي يَنتقل مِن إِنسان إلى آخر ومِن مَنطقة إلى أُخرى، علَى سبيل المِثال: ” إذا صاحْبك رْجَع دابْ ما ترْكَبشْ عْليه” يقابله ” إذا صاحبك رْجَعْ عْسل مَا تـَكلوش كـُّلْ”، و “أنا نشْكيلو بالْعڤـُرْ وهو يْڤـُللي ﭭدَّاش عندك نَطـْفل” يقابله ” أنا نشْكيلو بالْعڤـُرْ وهو يْڤـُللي واش حال لولاد”.
التحرير:كموظف كيف توفق بين الكتابة و العمل ؟
التَّوافق بَين الكِتابة والعمل أَمر يَتطلب الاِنضباط وتَنظيم الوقت لِذا يَجب علَى الفَرد أَن يَلتزم بِهما، فَالعمل هو مَصدر الرزق يَتم وفق نِظام مُعين، أَما الكِتابة يُمكن للكَاتب أَن يُمارسها فِي أَوقات فَراغه.
التحرير:امتلاكك لعدة شهادات هل أفادك ؟ وهل تنصح الجيل الحالي لتعلم العديد من المهام ؟
فِي الواقع، عدا شهادة تَعلم الصياغة، لَم أَستفد مِن الشهادات التِي أَملكها إلا معنوياً، لأَنها وفرت لِي مَصدر رزق فِي المَاضي، لكن الواقع اليوم يَتطلب إثبات مُستوى الشخص التَّعليمي أو التكويني، وخاصة فِي عمَلية البَّحث عن عمل، بِالنسبة للشباب، اِنطلاقاً مِن مَقولة ” تْعلَّم وتْركْ “، فَإن أَبواب مُؤسسات التكوين المِهني والتعليم بالمُراسلة فَهي فُرصة لِمن لَم يُسعفه الحظ فِي إِكمال دراسته، يوماً ما سيحتاجون إلى هذه الشهادات.
التحرير:ما المواضيع التى عالجتها من خلال هذا المؤلف ؟
يُعالج هذا الكتاب مَواضيع اِجتماعية مُختلفة، مِنها علاقة الإنسان بالله، والأُسرة، والأَبناء، وزوجات الأب، والجيران، والشيوخ والشباب، والأعمال الصالحة، وغيرها، ويَتطرق إلى الأخلاق السيئة، والكَرم والبخل، والصدق، والكذب والخيانة، ويَحث الأشخاص الكُسالى والمُعالين عن العمل، ومُعالجة عمليات الاحتيال المُختلفة ومَا إلى ذلك .
التحرير:على أي منهج اعتمدت في كتابة الأمثال ؟ وهل نال صدى واسعاً ؟
عندما كَتبت الأمثال، اِستخدمت المَنهج التحليلي، مُستخدماً اللُّغة العربية لشرح المُصطلحات العامية ومَعاني الأمثال، بهدف تَلخيصها ونَشرها على الآخرين، مِما أثار صدى واسعاً ونال الثناء.
التحرير:هل هناك دعم من طرف السلطات للكتاب و المبدعين ببلدنا ؟
أُفضل الصمت على الخوض فِي هذا المَوضوع، وأنا شخصياً دفعت ثمن الكتاب بنفسي لتحقيق رغبتي.
التحرير:ما هي طموحاتك المستقبلية ؟
يُقال فِي الأثر إن أصعب الأُمور بدايتها، إن شاء الله تَجاوزت هذه المَرحلة واِكتسبت الخبرة مِن خلال هذا المُؤلف، وأنا عازم على العمَل الجاد لإكمال ونَشر الأعمال المُتبقية، حتى تلتحق أعمالي بالعالم الأدبي، وتُصبح أعمالي مرجعاً هاماً، يَستفيد منه جميع فئات المُجتمع.
التحرير:هل ترى شباب اليوم مهتمين بالشعر و الأمثال الشعبية أكثر من غيرها ولماذا ؟
يَهتم شباب اليوم بِالشعر المَلحون أَكثر مِن غيره، لأَنه مِن أَكثر الفنون اِنتشاراً فِي المُجتمع، ويُعبرون مِن خلاله عن أَفكارهم وحياتهم اليومية وحبهم، أَما الأَمثال، فَهي أكثر شيوعاً مِما كانت عليه مِن قبل، وربما لنفس السبب.
التحرير:هل تحتك بكتاب أجانب وجزائريين ؟ و ما الفرق بينهم ؟
بِاستثناء بعض الكُتاب مِن ولاية خنشلة مِثل الأستاذ محمد الصالح أونيسي والأستاذ جلال الطيب وبوبكر قادري وغيرهم، لم يكن هناك اتصال مباشر مع كتاب جزائريين آخرين، لكن من خلال الكتب قرأت بعضها أثناء عملية البحث ، مثل: محفوظ قداش، ومحمد الإبراهيمي الميلي. أما الأجانب فَقد قرأت مَقالاً بحثياً للدكتورة غادة مُحمد الشافعي مِن جمهورية مصر العربية والكَاتب إبراهيم العبيدي مِن تونس وغيرهما، كُل كَاتب لَه خصائصه، لا فَرق بَين هذا وذاك.
التحرير:رسالة توجهها لمحبيك الأعزاء ؟ وكلمة أخيرة ؟
بِداية أود أَن أشكر الأخ جلال مشروك علَى الدعوة التي أسعدني كثيراً، أَما مُحبي ساعد السعود رجب فِي كُل مَكان فهو أيضاً يُبادلهم نَفس الشعور، ويُؤكد للجميع أَن المُستقبل سيكون أفضل بحول الله. الشكر مَوصول إِلى طاقم دار المُثقف للنشر والتوزيع على حسن الاستقبال والمُساعدة خلال عملية طباعة هذا الكتاب. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
جلال مشروك