ما قصّة الفوضى المحيطة بتيك توك؟



أفاد تقرير لموقع قناة “إم إس إن بي سي” الأمريكية، بأن مشروع قانون يُهدِّد بحظر تيك توك في الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بالأمن القومي يكتسب زخماً في أروقة الكونغرس.
ففي استعراض نادر للتوافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، صوتت لجنة الطاقة والتجارة بالإجماع على تمرير مشروع القانون يوم الخميس، مما مهّد الطريق للتصويت الكامل عليه في مجلس النواب الأمريكي.
وتعهد الرئيس جو بايدن بالتوقيع على مشروع القانون ليصبح قانوناً إذا أقره الكونغرس.
قضية رأي عام
وقال معد التقرير زيشان أليم، كاتب ومحرر في موقع قناة “إم إس إن بي سي”: لدى تيك توك، تطبيق مشاركة الفيديو الذي أُطلقَ أول مرة في عام 2017، أكثر من 150 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، واحتمالات حظر أحد أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي استخداماً ونفوذاً في أمريكا سيكون بمنزلة قضية رأي عام. فلا توجد سابقة مثيلة.
ويثير هذا التطبيق تساؤلات كبيرة حول التعديل الدستوري الأول. ولا توجد وسيلة نتوقع بها ردود أفعال عشرات الملايين من الشباب الذين يستخدمون هذا التطبيق، سواء أكانوا مستهلكين أو ناشطين يعترضون على إلغاء منصة شهيرة.
وهناك مسألة شائكة أخرى. ففي تحول غريب للأحداث، عَدَلَ الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي سعى لسنوات إلى حظر تيك توك في الولايات المتحدة، عن موقفه فجأةً من هذه القضية ويمارس الآن ضغوطاً ضد مشروع القانون، وبتعبيرٍ آخر، الفوضى تلوح في الأفق.
قدَّمَ مشروع القانون في مجلس النواب النائبان مايك غالاغر (جمهوري – ويسكونسن) وراجا كريشنامورثي (ديمقراطي – إلينوي) بعنوان “قانون حماية الأمريكيين من تطبيقات تتحكم فيها كيانات أجنبية معادية”.
ووردت في القانون مطالبة لشركة ByteDance، وهي الشركة الأم الصينية لتطبيق تيك توك، ببيع التطبيق في غضون 5 أشهر من إقرار القانون، وإلا سيُزال من متاجر التطبيقات الأمريكية.
ووفق التقرير، يكمن المنطق في أن وجود ByteDance في الصين يعني أن الحزب الشيوعي الصيني يمكنه استخدام تيك توك لمراقبة البيانات الأمريكية بطريقة سلبية أو التلاعب بالخوارزميات للتدخل في الحياة السياسية لأكبر منافس جيوسياسي لها.
وبموجب القانون الصيني، تلتزم الشركة الصينية بتسليم البيانات الشخصية التي تزعم الحكومة الصينية أنها ذات صلة بأمنها القومي.
وواجه أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري الرئيس التنفيذي لتطبيق تيك توك – شو زي تشو – بأسئلة صارمة العام الماضي لإقامة الحجة الداعمة لهذا النوع من مشاريع القوانين.
ومع ذلك، قاومَ بعض الديمقراطيين التقدميين هذه الخطوة، محتجين بأن التدقيق في تيك توك كان معاديّاً للصين.
وتصدت تيك توك لمشروع القانون. ففي يوم الخميس، حث أصحاب التطبيق مستخدميه البالغين على “التعبير عن معارضتهم علناً” لمشروع القانون.
ويبدو أن هذه الخطوة قد آتت ثمارها فوراً. وفقًا لصحيفة “واشنطن بوست”، “تلقت مكاتب في مجلس النواب الأمريكي منذ ذلك الحين مئات المكالمات من مستخدمي تيك توك، إذ بلغ عدد المكالمات في بعض الأحيان 20 مكالمة في الدقيقة الواحدة”.
مخاوف من ردة فعل الشباب
ويتمتع تطبيق تيك توك بقاعدةٍ مستخدمين ضخمة أغلبها من الشباب، وفي حالة حظره، يصعب التنبؤ بردة فعلهم على المدى البعيد.
واستغل تيك توك بذكاءٍ معارضته لمشروع القانون على أنه مسألة تمس حرية تعبير.
وإذا كانت هذه هي السائدة بين الشباب، فقد تتسببت في بعض السخط الحقيقي.
يَعدُّ بعض المستخدمين المعلومات التي يجري تداولها على تطبيق تيك توك وتطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى حول قضايا مثيرة للجدل مثل حرب إسرائيل وحماس بديلاً لوسائل الإعلام التقليدية.
ومن الممكن أن ينظر بعض الشباب المُستائين من المعاملة القاسية التي تتعرض لها غزة إلى حظر تطبيق تيك توك بوصفه محاولةً لقمع انتشار هذه الأخبار.
وقال السيناتور جون فيتيرمان عندما سأله صحافي عما إذا كان يشعر بالقلق حيال التأثيرات الانتخابية لحظر تيك توك: “بالطبع”، إن الديمقراطيين على دراية بقوة أثر تيك توك، فقد انضمت حملة بايدن إلى تيك توك في فبراير (شباط)، إذ استقطبت فوراً مئات الآلاف من المتابعين، في محاولة للتعامل مع مشكلة بايدن مع الناخبين الشباب.
ولن يعينه حظر تيك توك الذي وافق على التوقيع على مشروع قانونه، على استمالة هذه الفئة.
ولا تقتصر الاعتراضات على حظر تيك توك المحتمل على غضب الشباب من فقدان تطبيقهم المفضل.
ويرى المدافعون عن الحريات المدنية أنّ مشروع قانون حظر تيك توك قد يكون مفيداً للسياسيين المتحمسين للتفاخر بتحدي بكين، لكنه سيخفق في معالجة بعض القضايا التي يُزعَم أنه يتصدى لها.
وحتى بعد حظر تيك توك مثلاً، يمكن للصين جمع البيانات عن نشاط الأمريكيين عبر الإنترنت باستخدام وسطاء البيانات.
ويشير إيفان جرير، مدير منظمة الحقوق الرقمية “فايت فور ذا فيوتشر”، إلى أنه يجب التدقيق في جميع شركات الوسائط الاجتماعية بسبب قدرتها على مراقبة الأمريكيين على نحو غير لائق واستخدام الخوارزميات للتأثير على السياسة الأمريكية.
ويرى المدافعون عن هذا الرأي أن الحل الحقيقي ليس الحظر الانتقائي، وإنما فرض قيود صارمة على البيانات التي يمكن لأي شركة جمعها عن الأشخاص عبر الإنترنت.
تهديد وشيك يواجه مشروع قانون الحظر
لكن أكبر تهديد وشيك لمشروع القانون، حسب التقرير، قد ينبع من ترامب الداعية الأكبر لحظر تيك توك في أمريكا، فقد حاولَ الرئيس السابق إجبار الشركة المالكة للتطبيق على بيعه بالتهديد بحظره بموجب أمر تنفيذي خلال فترة ولايته، غير أن المحاكم عرقلت هذه المحاولة.
لكنّ ترامب أعلن يوم الخميس عن عدوله عن رأيه قائلاً: “إذا تخلصنا من تيك توك، فسيضاعف موقع فيس بوك، ولا أريد أن يحقق هذا الموقع الذي خدع الناس في الانتخابات الأخيرة نجاحاً أكبر”.
وتحوُّل ترامب ليس منطقيّاً في ضوء هوسه القديم بتخويف الناس من الصين.
وما من أحد يعرف سبب تحول موقفه. ولكن قبل أسبوع، اجتمع ترامب بمدير صندوق تحوط فاحش الثراء يملك حصة تُقدر بمليارات في شركة ByteDance، ويمكن أن يُعدُّ نظريّاً متبرعاً محتملاً لترامب مُستقبلاً. وحياة ترامب تحكمها التجارة والبيع والشراء.
وأضاف التقرير: لعل ترامب، بعد أن رأى بايدن على وشك تحقيق إنجاز سياسي لطالما سعى إليه، يريد تحطيم هذا الإنجاز بحيث يتسنى له السعي وراءه بنفسه، وربما حتى استطاع إطلاق حملة لأجل تحقيق مأربه على غرار ما فعل مؤخراً إذ أسقطَ مشروع قانون خاص بالهجرة من الحزبين حافل بسياسات يُفضِّلها.
مشروع القانون.
وخلص التقرير إلى أن مصير تيك توك في أمريكا يظل غامضاً، وكذلك مصير مشروع القانون الذي يبدو أنه يتمتع بدعمٍ كبير من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولو أنه يواجه عراقيل كثيرة كبيرة.