معارك حرب التحرير بوادي سوف

معارك حرب التحرير بوادي سوف
)قراءة في كتاب(
الأستاذ الدكتور حسان الجيلاني
كلمة البداية
في البداية سعدت كثيرا بصدور كتاب “معارك وحوادث حرب التحرير بمنطقة وادي سوف”، وهو كتاب من الحجم الصغير يضم 133 صفحة، صادر عن المؤسسة الوطنية للكتاب سنة 1988م، من تأليف الأستاذين “العمامرة سعد وعون علي”، إلا أن سعادتي لم تدم طويلا، حيث أن الكتاب في شكله الحالي لا يعطي صورة حقيقية عن المعارك التي حدثت بمناطق وادي سوف والصحراء عموما، ذلك أنه يحتاج إلى منهجية علمية دقيقة، ويحتاج إلى بحث معمق، وإمكانات معرفية أكثر.
وخلال قراءاتي للكتاب، خرجت بجملة من الملاحظات، والنتائج سأذكرها في تحليلي بكل صراحة، وسوف أكون موضوعيا في ملاحظاتي لكي لا يعتب الزميلان على جرأتي التي لم يتوقعاها، كما أنني سأحاول التقرب من المنهجية العلمية التي تعلمتها في مدرجات الجامعة، وعلّمتها لطلبتي فيما بعد، لذلك أتمنى أن يكون صبر الزميلين كبيرا، وقلقهما قليلا، وأرجو أن يتعظا، وأن تكون ملاحظاتي في محلها حتى لا أُتَّهَمَ بالتحيز، أو التعصّب، أو الضرب على حديد بارد.
أولا: خصائص حرب التحرير في مناطق الوادي
لعل الجانب الذي أهمل إلى حد الساعة، والذي لم ينل القسط الذي يستحقه من العناية، والبحث، والتدقيق، هو ما حدث من معارك عظيمة، ووقائع جسيمة بمناطق وادي سوف، والصحراء الشرقية أثناء الاحتلال الفرنسي، وخاصة أثناء ثورة نوفمبر الخالدة، فما إن اندلعت هذه الثورة المباركة، حتى كان صداها يتردد بكامل الصحراء الشرقية، فبعدها بحوالي 17 يوما فقط، قامت معركة “حاسي خليفة” يوم 17 /11/ 1954م، وتوالت المعارك بوادي سوف والمناطق المجاورة لها، معركة “هود شيكة” و”هود سلطان”، ومعارك الحدود الجزائرية التونسية، كمعركة “بوعروة” سنة 1957م، و”بئر رومان” سنة 1959م، والمعارك التي دارت في الحدود الجزائرية الليبية، كمعركة “قارة الهامل” سنة 1961م، وهي كلها معارك طاحنة تكبد فيها العدو خسائر كبيرة، بل وصارت وادي سوف أثناء الحرب التحريرية نقطة ربط والتقاء بين القطر التونسي الشقيق، وبين شمال البلاد، فبواسطتها يمر السلاح، والذخيرة، والمؤونة إلى الأوراس، وهذا ما دعا شاعر الثورة المرحوم “مفدي زكريا” أن يسجل هذا الدور التاريخي الريادي في الياذته المشهورة في قوله:
ودرب الســـلاح لأوراسنــــــا وقد ضاقـــت السبل بالســــالكين
وكم كان سوف يضم الصفوف وجمـع الشتات الحريص الأمين
وفعلا، فعندما ضاقت السبل بالسالكين الذين يحملون المؤونة والسلاح، وجدوا في “وادي سوف” الطريق الآمن، فكان السلاح الآتي من القطر التونسي ينتقل إلى الأوراس عبر “سوف”، ويصل في الأمان والسلام، كما كانت هناك علاقات بين أهل “سوف” وجبال النمامشة، إذ عندما قمت بتحقيق عن جبل الجرف، ونشرته بجريدة النصر سنة 1989م، حكى لي بعض المجاهدين الذين شاركوا في معركة الجرف أن إعانة أهل “سوف” لهم كانت كبيرة، بل إن بعضهم شارك بفعالية في معركة الجرف الخالدة.
أ- عام القول (الملعب)
لا زلت أذكر ثلاثة أيام نحس في قرية “الرديف” بالقطر التونسي، وكنت صغيرا أيامها لا أتجاوز الست سنوات، وهي السنة التي استقلت فيها “تونس” 1956م، عندما هاجمتنا عساكر تونس لتأخذ رجالنا، وشيوخنا، وتضعهم في الملعب لمدة ثلاثة أيام، يأكلون، ويتبرّزون، وينامون، ويتبولون في أماكنهم، وعندما تهجم النسوة على الملعب وهن يندبن، ويولولن لإطلاق سراح رجالهن، فتتصدّى لهم العساكر التونسية بالأسلحة والبنادق، فيتراجعن، ثم يعدن، وهكذا تستمر الأحداث أمام الملعب، والسبب حسب ما علمت فيما بعد هو أن البطل المكنّى بـ “الطالب العربي” واسمه الحقيقي “قمودي”، كان قد اعتقل أحد الولاة التونسيين، فثارت ثائرتهم، وقاموا باعتقال كل الجزائريين المهاجرين دون استثناء، وأذكر أن عمي أخذوه من فراشه شبه عاري، واقتادوه إلى الملعب كما اقتادوا والدي وجمع غفير من الجزائريين، ولم يتركوا إلاّ الأولاد الصغار وبعض الشيوخ والنساء، وكان “الطالب العربي قمودي” رغم خلافاته مع الجبهة يعتبر بطلا لم ينفض عنه الغبار إلى اليوم.
كنا ونحن صغارا نحلم بهذا البطل الذي يسمونه “الطالب العربي”، فهو الوحيد الذي أثّر أبلغ الأثر على فرنسا من جهة، وعلى أهل تونس من جهة أخرى، فكانوا يخافونه ويحسبون له ألف حساب.
ب – طبيعة للصحراء
كانت طبيعة الصحراء القاسية، وطبيعة الاستعمار الظالمة، قد جعلت من المعارك التي تحدث في تلك المناطق تأخذ طابعا مميزا، فهذه المعارك تختلف عما حدث في الشمال من وقائع، وكان بودي أن يرد في الكتاب شيء من هذه الخصائص، كتلك الدورية من المجاهدين التي توغلت في الصحراء، ولما جاعت، وعطشت، بقرت بطن بعير للحصول على الماء الذي في أمعائه، هذه الصور والأحداث تميز مقاومة أهل الصحراء عن الشمال.
كما أن هناك أحداث عظيمة ذات طابع مميز، ومن ذلك أن المعارك التي تدور في الصحراء عادة ما يتم فيها القضاء على كل المجاهدين المشاركين فيها، لأن طبيعة الصحراء العارية والتي لا يستطيع المجاهدون أن يجدوا فيها أماكن للاختفاء من جهة، ولأن الفرنسيين لا يتركونهم بعد المعركة إلا ويقتفوا آثارهم (التي تظهر على الرمال بسهولة)، ولا يدعونهم إلا وقد قضوا عليهم، فهم يتبعونهم أينما حلوا، ويضيقون عليهم الخناق إلى أن يلقوا القبض عليهم.
المعارك التي تحدث على أرض “سوف” كانت معارك حامية الوطيس، ولا مهرب للمجاهدين إلا المقاومة، وهزيمة الاستعمار، فالعدو من أمامهم، والصحراء من خلفهم، ولا مفر لهم إلا التصدّي والتحدّي، فكانت المقاومة عنيفة، والتضحية جسيمة، وما قدمه أهل الصحراء كعربون وفاء كان أيضا عظيما، إلا أن وسائل إعلامنا وبكل أسف أهملت تلك المقاومة، وخاصة جانب الثورة فيها، فاهتمت بالفلكلور، والتراث الشعبي، والأغاني، ونسيت ما قدمته الصحراء الشرقية إلى الثورة المباركة من تضحيات جسام يشهد بها العدو قبل الصديق.
إذ أن هذا الجانب ظل يكتنفه الغموض، والإبهام إلى اليوم، بل هناك من يدعي أن الصحراء الشرقية لم تقدم شيئا يذكر إلى الثورة التحريرية، فهل هذا القول فيه بعض الصواب…؟
ثانيا: ابن خلدون وأخطاء المؤرخين
ابن خلدون العبقرية العربية التي يعترف بها علماء الغرب، الذين ألّفوا حوله العديد من الكتب يشرحون تفكيره، ويعرّفون بمنهجه الفكري الذي مازال متجددا إلى اليوم، لو أن المؤلّفيْنِ التجآ إلى قراءة بعض أفكار ابن خلدون حول كتابة التاريخ، لغيرت هذه الأفكار من اتجاههما، ولقوّمت مسيرتهما، وبهذه المناسبة بودي أن أذكّر بتلك الأفكار العظيمة التي سبقت عصرها بأكثر من ستة قرون، فعند حديثه عن المؤرخين والأخطاء التي يرتكبونها، أوضح ابن خلدون أن تلك الأخطاء لابد أن تعود إلى أحد الأسباب الآتية:
1 – التشيّع للآراء والمذاهب:
أي أنه إذا كانت فئة من الناس تؤمن بالاشتراكية، أو الشيوعية، أو الاسلامية، فإنها ستكتب التاريخ وفقا لآرائها ومذهبها، وهذا يعتبر خطأ كبيرا في كتابة التاريخ بصورة موضوعية وعلمية، لذلك نبّه ابن خلدون إلى ضرورة الابتعاد عن الآراء والمذاهب التي يعتنقها الأشخاص عند تسجيل أحداث التاريخ ووقائعه.
2 – الذهول عن المقاصد:
ويعني بذلك أن الباحثين في التاريخ قد يبتعدون عن المقاصد الحقيقية، أو يذهلون عنها، وقد يكون ذهولهم بقصد أو بغيره.
3 – توهم الصدق:
وقد يتوهم المؤرخون أنهم يكتبون الصدق فيما يذهبون إليه، وقد يكون هذا مجرد وهم، وبناء عليه يؤرخون وقائع الأحداث، ويكون هذا التأريخ محشوا بالوهم، بعيدا عن الموضوعية.
4 – الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع:
ومعنى ذلك أن هؤلاء المؤرخين يجهلون أحوال المجتمع، وهذا الجهل يؤدي بهم إلى أن يطبقوا على العمران البشري أمورا تختلف عن طبيعة الوقائع التي تميز ذلك المجتمع.
5 – تقرّب الناس لأصحاب التجلّة والمعالي:
أي أن المؤرخين بتقرّبهم لأصحاب الملك، والرؤساء يفقدون الكثير من مصداقيتهم، ويذهبون في ركب التجلّة والمعالي، فينسون مهمتهم الأساسية، ويؤرخون للملوك والأمراء بدلا من التأريخ للأحداث والوقائع، فيرتكبون الأخطاء.
6 – الجهل بطبائع الأحوال والعمران:
وهذه أهم نقطة ركّز عليها ابن خلدون، فقد وجد أن أغلب المؤرخين يجهلون طبيعة المجتمعات، وخصائصها، وتركيباتها، وتفاعلاتها، وعلاقاتها، وهذا الجهل هو الذي يوقع بالمؤرخين في الأخطاء المذكورة، لذلك نبّه ابن خلدون إلى ضرورة معرفة طبيعة العمران، فلكي يكون التاريخ صحيحا، يجب وضع طريقة دقيقة للتحقق من الوقائع التاريخية، وهذه الطريقة هي وجوب البحث بطريقة نظرية موضوعية عما إذا كانت حادثة من الوقائع تتفق أو تناقض العمران البشري، (أي المجتمع الإنساني)، وعما إذا كانت متفقة مع الزمان أو المكان اللذين حدث فيهما.([1])
ومن هذا التصور الخلدوني سيكون حوارنا مع الزميلين حول كتاب حرب التحرير بمنطقة وادي سوف، تشمل ملاحظاتي جانبين هما: الشكل والمضمون.
ثالثا: في الجانب الشكلي للكتاب
في البداية أرى أن الكتاب لا يعبر عن حرب التحرير في وادي سوف، ولا يغطيها من كافة جوانبها، فحرب التحرير عظيمة، والذين شقوا عصا الطاعة كانوا عظماء أيضا، ولكن ما جاء في الكتاب لا يرقى إلى الحرب التحريرية، فهو ضعيف، ولا تسنده طريقة علمية واضحة، وأستطيع أن أجمع ملاحظاتي الشكلية في النقاط التالية:
1 – في الصفحة رقم 5 يضعنا المؤلفان أمام كلمات مبهمة، غامضة، لا هي بالمقدمة، ولا بالتمهيد، ولا بالمدخل، ولا حتى بالإهداء، فأين تضعان التقديم الموجود بالصفحة 5…؟ أم أنه مجرد حديث عابر…؟ وحتى الكلام العابر لا بد له من إطار يوضع فيه لينتظم ويصبح منطقيا.
2 – في الصفحة 7 معارك وحوادث الداخل، وفي الصفحة الثامنة معارك وحوادث الحدود التونسية، وفي الصفحة 10 معارك وحوادث الحدود الليبية، وإذا كنتما قد تطرقتما إلى هذه المعارك في فهرس الكتاب، فلماذا هذا التكرار والإعادة التي لا فائدة منها…؟
3 – لماذا تذكران في بداية كل صفحة أسماء المشاركين في المعركة…؟ هذه ليست طريقة علمية في تدوين التاريخ، إن هذا يعتبر عرضا مجانيا، واستعراضا لهؤلاء الذين تسردون أسماءهم في كل صفحة من أوراق الكتاب، فهذه مهمة منظمة المجاهدين، او حتى الوزارة المعنية، وليست مهمة مؤرخ هدفه البحث عن طبيعة الأحوال، وتفسير الوقائع التاريخية تفسيرا علميا وموضوعيا.
لا شك أن هذه الطريقة ستدعم مراكز الأفراد المشاركين في المعارك، وتقوي نفوذهم، وتجعلهم يتباهون ويفتخرون بذكر أسمائهم في المعارك، وكأن من كُتب اسمه هو فعلا بطل، ومن لم يكتب اسمه ليس ببطل.
إن هذه طريقة بدائية تعمل على إبراز النعرات، وإثارة الفتن، والمهم ليس في زيد أو عمر ممن قاموا بالمعركة، بل المهم في المعركة وما أثارته من قضايا، وما حققته من نتائج إيجابية في الدفاع عن حرمة وكرامة الوطن، لذلك كان بودي ألا تذكر أسماء الأشخاص المشاركين في المعارك بهذه الطريقة الجافة، وإلا فإنه يمكن أن ينطبق عليكما قول “ابن خلدون”: التقرب لأصحاب التجلة والمعالي بذكركما للأسماء، وقد جرت العادة على أن المشاركين في معارك التحرير يأتي ذكرهم في هامش الكتاب، أما أن يذكروا في متن الكتاب فكأني بالمؤلفين لا يريدان إبراز المعارك، ولا تهمهم الوقائع بقدر ما يهمهم عرض أسماء المشاركين فيها، في حين كان المفروض أن يتم ذكر الأسماء ضمن أحداث الوقائع، ويأتي ذلك بصورة منهجية، مضبوطة، بل ومشوقة في معظم الأحيان.
4 – هل تصدقان إذا قلت لكما أن كلمة “قوات” قد تكررت في الكتاب بالتاء المربوطة أي (قواة) أكثر من عشرين مرة، وقد كنت احسبها خطأ مطبعيا، إلا أن تكرارها بنفس الخطأ جعلني أتأكد من أن الزميلين يعتقدان أنها تكتب بالتاء المربوطة.
5 – كما وردت في الكتاب الكثير من الصيغ والأساليب البعيدة عن اللغة العربية، كما في قولهما في (ص 18) السطر الثاني، (فكان نتيجة لذلك هروب فرقة القومية على أعقابها)، فماذا يفهم من “فرقة القومية”…؟ يقصد الباحثان بذلك الوشاة الذين هم ضد الثوار، إلا أن أي قارئ للكتاب لا يفهم هذا القصد، وهو أن المؤلفين وضعا كلمة “القومية” بين قوسين لهان الأمر، لكنهما فضلا الصياغة الغامضة، والبعيدة عن اللغة العربية السليمة، مع العلم أنهما من رجال التعليم، وقد امضيا فيه سنوات طويلة، ومع ذلك فإن لغتهما غير مستقيمة، وتارة يذهب المؤلفان إلى تسمية هؤلاء القومية بكلمة المضادّين للثورة، كما ورد في السطر الاول من الصفحة 13، وهما يقصدان طبعا “الوشاة”، أو “القوادة”، أو “الحرْكة”، الذين تستعملهم فرنسا للوشاية بأخبار المجاهدين.
6 – الكثير من الأخطاء النحوية، والصرفية، والأسلوبية، وحتى المطبعية، تشوه صورة الكتاب في شكله الحالي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الأخطاء النحوية قولهما (في السطر 19 من الصفحة 34): وقتل المجاهدين ضابطين فرنسيين، والصحيح طبعا هو: قتل المجاهدون لأنه فاعل، ويجب أن يكون مرفوعا.
ومن الأخطاء الإملائية قولهما (في السطر التاسع من الصفحة 46): جلب المؤنة، والصحيح: جلب المؤونة، ومن الأخطاء أيضا قولهم: “يتقفى الآثار”(السطر8 الصفحة 47، والسطر الأول من الصفحة 77)، والصحيح: يقتفي الآثار أو يتتبّعها.
وهناك العديد من الأخطاء الأخرى كقولهما: “في هذه اللحضات ضهر”(السطر الخامس الصفحة 78)، والصحيح أن: اللحظات وظهر تكتب ضادهما بالقرن، وكقولهما: “فوصلوا إليها” (السطر 16 من الصفحة 33)، والصحيح: فوصلوها، والقاعدة النحوية تقول: إذا استحال الضمير المتصل نأتي بالمنفصل، والضمير هنا متصلا ولم يستحل، لذلك يكتب متصلا.
7 – الملاحظة التالية هي أن المؤلفين لا يدركان معنى الأقواس، فكل الأسماء التي ينبغي أن توضع بين قوسين لم تكتب كذلك، كقولهما (في السطر 8 من الصفحة 35): “الصحن” ويعمد المؤلفان إلى شرحه فيقولان بأنه ساحة واسعة مكشوفة، والمفروض أن تكتب كلمة “الصحن” بين قوسين وتوضع فوقها نجمة، وترسم النجمة في هامش الصفحة، ويكتب أمامها الشرح الذي يريدانه بطريقة منهجية مضبوطة.
وكقولهما في (السطر 10 من الصفحة 35): فتقدمت ناحية الصباط، دون أن توضع هذه الكلمة بين قوسين، وأنا أطلب من الباحثين أن يشرحا لي كلمة “الصباط”، فهي لا تعرف إلا بمنطقة “وادي سوف”، وحتى الشرح الذي أراداه أن يكون وافيا زاد من غموض المعنى حينما عرّفا “الصباط” بأنه “غرفة واسعة لها أبواب مفتوحة”.
ففي الواقع أنه ليس غرفة بالمعنى المتعارف عليه للحجرة، وكان على الباحثين أن يضعا الشرح في الهامش طبعا، وهناك عبارات فرنسية لم ينتبها إليها، فإذا وجد مرادف لها في العربية، فإنه ينبغي وضع المرادف، وإذا لم يوجد فإن المصطلح يكتب بين قوسين، ففي (السطر 8 من الصفحة 59) أوردا كلمة “سرجان شاف” والصحيح أنها تعني “رقيب أول”، وكان المفروض أن يضعا الكلمة العربية ويتخلّيا عن الأجنبية.
كما أن هناك الكثير من الأخطاء في الصياغة كقولهما في (السطر 2 من صفحة 75): “متركزة بجبال زريف” والصحيح أنها متمركزة، وكما في قولهما في (السطر 14 من الصفحة 76): “التقتا الدوريتان” والصحيح “التقت الدوريتان”، وكقولهما في (السطر 8 من الصفحة 77): “أن سلاحه لم يصر يؤدي وظيفته” والصحيح: أن سلاحه لم يعد يؤدي وظيفته، وهناك الكثير من الأخطاء التي لا يتسع المجال لذكرها كلها.
رابعا: في جانب المضمون
إذا كنا قد لاحظنا على جانب الشكل جملة من الملاحظات تتعلق بالأسلوب، والصياغة، واللغة، ففي هذا الجانب سنركز ملاحظاتنا حول المضمون، وما يتضمنه من معلومات، وبيانات نشك في صحتها، لأنها ليست مدعّمة ببرامج ومصادر، فالبحث التاريخي لا يكتب بهذه الطريقة الساذجة، إنه يتطلب صبرا طويلا، وبحثا عميقا، قد يستغرق السنوات الطوال.
في البداية لم يعتمد الباحثان على أية مصادر، أو مراجع، أو وثائق، إلا أقوال المجاهدين الذين شاركوا في المعارك، وهذه الأقوال نشك في صحتها لعدة أسباب منها:
أ – أن الكلام الشفاهي يعتمد على الذاكرة، وهذه الذاكرة قد يصيبها الفتور، والنسيان بعد مرور أكثر من عشرين سنة، وبالتالي فإن المعلومات التي يدلي بها هؤلاء أغلبها تكون مبالغ فيها، لأن المعلومات الصحيحة أصابها النسيان.
ب – أليس من السذاجة أن يعتمد كتاب كامل على أقوال المجاهدين فقط…؟ أليس هناك أرشيفا، ووثائقا، ومراجعا…؟ فلماذا يتم الاعتماد كلية على كلام هؤلاء الذين يفتقدون للموضوعية…؟
ج – إذا اعتمدنا على كلام المجاهدين فقط فإننا نبتعد عن موضوعية التاريخ، لأن كل فئة من هؤلاء تريد أن تنسب إلى نفسها روح المبادرة، والإقدام، والبطولة، بل ولا تذكر من المشاركين في المعركة إلا أصحابها، وأقاربها، وتهمل الباقي، وهذا ما يتنافى مع الموضوعية والعلمية.
د – أن التاريخ علم قائم بذاته، له خصائصه، ومناهجه، وطرقه، واعتماد الكاتبين على الأقوال الشفاهية يفقد التاريخ علميته، ويصبح مجرد أهواء، ومصادفات، وكلام عابر لا وزن له، ولا قيمة تاريخية أو علمية تميزه.
هـ – كان المفروض أن تكون الأحاديث والمقابلات مقننة، أي يعمد الباحثان إلى ضبطها بصورة دقيقة، فتوضع في الهامش، كأن يذكر تاريخ المقابلة، الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، الساعة التي تمت فيها، والمكان الذي أجريت فيه، هكذا يتم تدوين المقابلات بصورة منهجية دقيقة.
لهذه الأسباب نرى أن تدوين المعارك بالاعتماد على كلام المجاهدين فيه الكثير من الإجحاف للحقائق وللتاريخ على السواء.
أعود إلى فكرة ابن خلدون الذي يرى أن من بين أخطاء المؤرخين الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع، وقد أورد المؤلفان عدة وقائع، لكن للأسف كانا يجهلان الأحوال، فجاءت النتائج مشوهة للوقائع وللتاريخ، وسوف أستدل على ذلك ببعض الشواهد من الكتاب:
في معركة “هود شيكة” وهي من أشهر المعارك التي وقعت بوادي سوف (الصفحة 31)، وكانت دورية المجاهدين تتكون من حوالي 45 جندي جزائري، إثنان منهما فقط يحملان سلاحا متطورا نوعا ما، وهما “حمة الأخضر” و “العربي بوغزالة”، أما بقية الدورية فتحمل أسلحة قديمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وما أن سمعت قوات الاستعمار بذلك حتى تجمعت في مكان يسمى بـ “هود شيكة”، وتم التصادم بين المجاهدين والقوات الاستعمارية، فماذا كانت نتيجة هذه المعركة…؟ المؤلفان يقولان في (صفحة 36): إن خسائر العدو تتمثل في قتل وجرح ما يزيد عن 600 عسكري، أما شهداء المعركة من المجاهدين فهم حوالي 31 مجاهدا، فهل تصدقون هذا أيها السادة…؟ 45 مجاهدا يقتلون 600 جندي فرنسي مدججين بأرقى أنواع الأسلحة…؟ وهل جنود فرنسا بعددهم، وعدّتهم، مثل أحجار الدومينو يمكن القضاء عليهم بسهولة…؟
لو أن فرنسا خسرت في هذه المعركة حوالي 600 جندي لانسحبت من أرض “سوف”، ولمنحتها استقلالها الذاتي دون سائر الوطن، هذا هو الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع، وهو نتيجة تدوين الكلام الشفاهي دون فحصه أو تمحيصه.
ومن بين الشواهد أيضا نسوق المثال التالي الذي ورد في (الصفحة 52) بعنوان “معركة هود سلطان”، فبعد معركة “هود شيكة”، وقتل من قتل، وجرح من جرح، تكونت مجموعة من المجاهدين تقدر بـ 13 بقيادة البشير مزيان، وكانت القوات الفرنسية تطاردهم، وتقتفي آثارهم، وهنا تفرق الجاهدون فاتجه 6 منهم غربا، وتمركز 3 بـ “هود سلطان” و3 بـ “هود ولد القدرة” وتابعتهم السلطات الفرنسية، وقامت بحصارهم في اتجاهات مختلفة، وبعد المعركة استشهد مجاهدان، واثنان من الأهالي، أما خسائر العدو فكانت باهضه تبلغ حوالي 120 بين قتيل وجريح.
تصوروا…! هل من المنطقي أن 13 مجاهدا، وقد تفرقوا في الصحراء، وتبعثرت وحدتهم، يقتلون 120 جندي…؟ أليس هذا من الخيال…؟ من يصدق هذه الخرافات والأساطير…؟ حتى سيف “علي ابن أبي طالب” البتّار لا يقتل 120 جندي بأسلحتهم الحديثة، ودباباتهم، وطيرانهم.
إن هذه النتائج بعيدة عن الواقع، ولن يصدقها العقل، فالبحث التاريخي هو تمحيص، ودقة، وليس كل ما يقال يكتب، لذلك رأيت أن الاعتماد على كلام المجاهدين فيه من التحيّز، والتعصّب الشيء الكثير، لماذا لم نستطع لحد الساعة كتابة تاريخ ثورتنا، رغم الملتقيات الكثيرة، والمحاولات العديدة، والتحضيرات المختلفة…؟ لأن كل طائفة ترى أنها هي التي صنعت الاستقلال، وأنها هي التي هزمت فرنسا، لهذا ابتعدنا عن الموضوعية، وكثرت الانتهازية، وكثر الأبطال المزيفون.
وأنتقل إلى استشهاد آخر في (الصفحة 57)، “معركة العلنداية” حيث كانت خسائر العدو تتمثل في إحراق 9 طائرات، و20 شاحنة ناقلة للجنود، وما يزيد عن 200 قتيل، مقابل شهيد واحد في صفوف جيش التحرير.
هذا التزييف التاريخي، وهذه النتائج ليست معقولة، فهي بعيدة عن منطق الأحوال والوقائع، وإذا نحن صدقناها فهل تصدقها الأجيال التي تأتي بعدنا…؟ ربما تسخر من تفكيرنا، وتتهكم من معلوماتنا الساذجة، وخيالنا المحنط.
ولكي نؤكد الاختلاف الواضح بين المراجع التي تتحدث عن نفس المعركة حيث يذهب كل مرجع إلى سرد رواية مختلفة، ففي معركة “حاسي خليفة” (الصفحة 15) من الكتاب، لو عدنا إلى مرجع آخر وهي مجلة أول نوفمبر([2])، لوجدناها تقول أن عدد المشاركين في هذه المعركة حوالي 11 شخصا فقط، في حين أن الكتاب يذهب إلى أنهم 13 مجاهدا، والاختلاف يبدو في الأسماء التالية التي ذكرها الكتاب ولم تذكرها المجلة وهما: عبد الباري عمار، بلالة البشير، فهذين الاسمين غير وارد ذكرهما في المجلة، فمن نصدق الكتاب أم المجلة…؟
أما الخسائر فقد أوردت المجلة المذكورة حول نفس المعركة أن خسائر العدو بلغت 62 قتيلا، في حين أن الكتاب ذكر أنها 75 قتيلا، وعدد كبير من الجرحى، ومرة أخرى من نصدق الكتاب أم المجلة…؟
وقد اعتمد الكتاب على قول المجاهد “شعباني بلقاسم”، الذي أُسِرَ من طرف المستعمر، في حين اعتمدت المجلة على قول المجاهد “عمارة مبروك” المعروف بالمقدم مبروك، فكلام من نصدق من هؤلاء المجاهِدَيْنِ الذين حضرا الاثنين للمعركة…؟ وهذا ما نبهت إليه في البداية من عدم الاعتماد على هذا الكلام الشفاهي، لأنه يتسم بالتناقض والمغالاة، والمبالغة، والبعد عن الصدق، فكل فريق يتوهم أنه يقول الصدق، في حين أنه يبتعد عن الحقيقة.
كذلك يظهر التناقض جليا وواضحا بين المجلة([3]) والكتاب(1) في الحديث عن معركة “ادبيديبي”، فالمجلة ترى أن عدد شهداء المعركة من المجاهدين هم 15 مجاهدا، أما الكتاب فيرى أن عدد الشهداء هم 39 من المجاهدين و14 جريحا، وبعض الأسرى.
أما خسائر قوات العدو فتقدرها المجلة بحوالي 70 قتيلا عسكريا، وإصابة ما يزيد عن 40 عسكري آخر بجروح بليغة، في حين ذهب الكتاب إلى أن خسائر العدو تقدر بـ 70 بين قتيل وجريح، وإسقاط طائرة، ومرة أخرى نصدق من، ونكذب من، الكتاب أم المجلة…؟
والتناقض الآخر يتمثل في سير المعركة، فالمجلة تذهب مذهبا مختلفا عما يذهب إليه الكتاب، وهذا التناقض من بين الأسباب التي أدت إلى إفشال عملية كتابة تاريخ الثورة، لأن كل طائفة ستكتب تاريخ الثورة انطلاقا من تصوراتها التي لا شك أنها ستكون مغايرة لتصورات الطوائف الأخرى، وهكذا نجني على التاريخ وعلى أنفسنا.
وهناك الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها، والمعارك كلها تعتمد على المعلومات التي يدلي بها المجاهدون، وهي معلومات مشكوك في صحتها، فهي تضخم الأحداث، وتعطيها صورة أسطورية بعيدة عن واقع الأحوال، ومنطق العمران، كما هو الحال في حدث “هجرين مركسن” (الصفحة 124) حيث أن 7 من جيش التحرير قتلت 50 من جيش العدو، وأحرقت 4 سيارات، وهلم جرا، وكلها تدل على الذاتية، والتفسير الأناني للأحداث.
خامسا: تحليل الأحداث والوقائع
لقد كان هناك تضخيم في نتائج الخسائر التي تكبدها العدو إلى درجة البعد عن الحقائق، وجهل المقاصد، كما أن هناك اختزال فضيع لمعارك عظيمة، ووقائع خيالية، تم اختصارها في أسطر قليلة لا تفي بالغرض، وكمثال على ذلك في (الصفحة 54)، واقعة “منزل بالبردي بتكسبت”، فعندما تشتت مجاهدو معركة “ادبيديبي”، اتجه 6 منهم إلى هذا المنزل، واستقروا بإشارة المناضل “بوريقة” ببئر المنزل قرب سطح الماء،(في الخابية) لمدة ثلاثة أيام، ثم التحقوا بالثورة بعد ذلك.
هذه الحادثة اختصرها المؤلفان في هذه الأسطر القليلة جدا، والتي لا تعبر على أن هناك حدث عظيم وقع، وهو يدل على مدى مقاومة الثوار لكل أنواع الذل والهوان، فتصوروا أن يستقر ستة مجاهدين في قعر بئر بأحد منازل “وادي سوف”…! ويقضوا هناك ثلاثة أيام…! فهذا الحدث لا ندعه يمر هكذا، تصوروا كيف يأكلون…؟ وينامون…؟ وهم وسط البئر…؟ إنها قمة البطولة والفداء، ولكن المؤلفين سردا هذه الحادثة سردا عابرا، دون التركيز عليها، أو حتى جمع معلومات عنها.
واقعة أخرى اختزلاها، بل وقتلاها بصورة غير منطقية، وتتمثل في “حدث حمادة سلامة” (الصفحة 113)، فلما حاصر العدو هذه الدورية من كل الجهات، ووجدت قوات العدو سبقتها إلى البئر، حولت اتجاهها نحو الحدود الليبية، وتحتّم على ذلك قطع مسافة كبيرة تقدر بحوالي 300 كلم في الصحراء المكشوفة، وبدون تمويل، مما أجبرهم على شق بطن بعير، وشرب ما في جوفه لسد الرمق.
هكذا ورد في الكتاب، تصوروا هذه الحادثة العظيمة تختصر في أسطر قليلة، لا تعبر عن معناها…! تصوروا مجموعة من جيش التحرير، تُحَاصَرُ من جميع الجهات، فتلجأ إلى شق طريق صحراوي قاحل، لا ماء، ولا مرعى، وتقطع مسافة 300 كلم وسط الرمال، والشعاب، والجفاف، دون أن تجد قطرة ماء، فتضطر إلى شق بطن بعير وشرب ما في أمعائه من مياه…!
إنها أحداث عظيمة، وتضحيات جسيمة، ولكنها بكل أسف وجدت المستوى الفني لا يرقى إلى مستوى التضحية، كان المفروض أن يصفا حالة الجنود وهم في الصحراء، وحالتهم وهم عطاشى، وتضحياتهم في سبيل الوطن، وبقرهم بطن البعير، الخ.
إنها صورة عظيمة، وملاحم بطولية رائدة، لكنها أهملت، وتراكمت عليها رمال الصحراء، فدفنت دون أن تتاح لها الفرصة للظهور والإنتشار.
كان بودي أن يستفيد المؤلفان من الأشعار الشعبية، ويدوناها كشهادة تاريخية، مازالت تنبض بالحيوية، والحياة.
لقد قيلت أشعار شعبية عظيمة في معركة “هود شيكة” وفي “هود سلطان” وفي الكثير من المعارك، إلا أن الباحثين لم يذكرا شيئا من هذه الشهادات الحية، فجاء ما قدماه جافا، جامدا، لا يعبر عن التاريخ حتى من حيث الزمن، فتواريخ الوقائع، والمعارك مشكوك فيه أيضا، لأنها من أفواه المجاهدين، وهل يذكر المجاهدون بعد مرور ربع قرن من الزمان ذلك اليوم الذي وقعت فيه المعركة…؟
إن كل واحد يعطي تاريخا من فكره قد يتعارض أو يتفق مع البقية، هنا يعود الرأي الأخير للمؤلف الذي بفحصه، ومقارنته، واطلاعه على الوثائق يستطيع أن يتبيّن الصح من الغلط، والحقيقة من الخيال، وبعد تحققه يضع التاريخ الصحيح الذي يؤكده بالبراهين والأدلة.
سادسا: ملاحظات ختامية
هناك جملة من الملاحظات لابد من الإدلاء بها، وتتمثل أساسا في أن الكتاب في شكله الحالي لا يعبر عن المستوى البطولي لمعارك حرب التحرير بمنطقة “وادي سوف”، والصحراء، وما جاورها، إنه سرد مجاني للمشاركين في المعركة، وتشهير دون مقابل، أما ما عرض من حديث عن المعارك فهو لا يرقى إلى التعريف بهذه المعارك لا من حيث الأسلوب، ولا من حيث التحليل، فالذي ورد ينقصه الدليل، والتدعيم، والتحليل الوافي المستفيض.
وليكن في علم الزميلين أن كتابة تاريخ الثورة ليست بالعملية السهلة، وأن الباحثين يبذلون مجهودات كبيرة في الحصول على معلومات تدعم موضوعهم، وهم ينتقلون، ويسافرون من مكان لآخر بحثا عن الوثائق، وقد يقطعون آلاف الكيلومترات، ويبيتون على الطوى، ويحرمون من أهلهم، وذويهم لكي يصلوا إلى مصدر الخبر، ويحصلوا على وثائق تدعم أبحاثهم، فأنا أعرف البعض منهم يسافر إلى تركيا للحصول على وثائق حول تاريخ الجزائر في العهد العثماني، وأعرف من يسافر إلى فرنسا أو حتى أمريكا بحثا عن الوثائق فقط.
وبإمكان الزميلين إذا أرادا تطوير بحثهما أن يتصلا بأرشسف ولاية قسنطينة، وأرشيف ولاية ورقلة، وجريدة “لاديبيش” الصادرة بقسنطينة في ذلك الوقت، والتقارير التي كان يرسلها حكام فرنسا إلى القائد العام، كلها مصادر ومراجع مهمة تعين الباحثين في الوصول إلى الحقائق الموضوعية حول تاريخ وقوع المعارك، وعدد القتلى والجرحى، وما شابه ذلك.
كذلك لاحظت أن هنالك تكرار لكلمة “حدث” وهي تؤدي معنى مغاير لما قصده المؤلفان كقولهما:
“حدث القوس”، “حدث جارش”، “حدث اضميرينية” وهما يقصدان “واقعة القوس” و”واقعة جارش”، وهي عبارة عن معركة صغيرة أقل حجما من حيث عدد المشاركين فيها، وكان الأحرى بالزميلين ألا يذكرا كلمة حدث لأنها تعني شيئا آخر، (وبإمكانهما الرجوع إلى القاموس ليعرفا ما يقصد بكلمة حدث)، واستبدالها بواقعة كذا، وواقعة كذا، كما يسميها الشيخ “ابراهيم العوامر” في كتابه “الصروف في تاريخ الصحراء وسوف”.
وأخيرا أقول أنه ليس بعيب أن يستعينا ببعض الأساتذة الأكفاء ليعيناهما على تصحيح الكتاب من جميع جوانبه، قبل دفعه للمطبعة، فكبار الكتاب، والمؤرخين، والأدباء لا يقدمون على الطباعة إلا بعد أن يستعينوا بأهل الاختصاص لمساعدتهم على تصحيح المخطوط قبل طباعته، وليس في ذلك أي عيب، أو نقص، بل العيب أن يخرج كتاب بهذا الشكل، وهذه الأخطاء، ويقرأه العام والخاص.
ومع كل ذلك، ورغم الهنات الواردة في الكتاب، فهو يعد من أهم المراجع، والوثائق التي تصدت لمعارك الصحراء، وعرّفت بها، وشرحت كيفية وقوعها، وتاريخها، والمشاركين فيها.
إنه بادرة تستحق كل التنويه والتشجيع، لأنه لم يتطرق أحد إلى المقاومة في الجنوب الشرقي لصحرائنا الشاسعة، ولم يتصد مؤرخونا لهذا الجانب النضالي بالتفسير والتحليل.
وأخيرا أزف تحية خالصة إلى الزميلين “سعد عمامرة” و”علي عون” على عملهما الذي يستحق كل الشكر والتقدير رغم ما ذكرناه من ملاحظات وتحفظات.
المراجع والهوامش
1- علي عون وسعد عمامرة، معارك حرب التحرير بوادي سوف،المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1988م.
2- ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، بيروت، دار الكتاب اللبناني بالاشتراك مع دار المدرسة، 1983.
3 – مجلة أول نوفمبر، العدد 8، ربيع الثاني 1407هـ، الشهر الثاني عشر، ديسمبر 1986م
[1]- ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، بيروت، دار الكتاب اللبناني بالاشتراك مع دار المدرسة، 1983. [2]- مجلة أول نوفمبر، العدد 8، ربيع الثاني 1407هـ، الشهر الثاني عشر، ديسمبر 1986م، ابتداء من ص 30. [3]- نفس المرجع، ابتداء من ص 36.
1 – معارك حرب التحرير بوادي سوف، مرجع سبق ذكره، ص 42.