معالم وآثار تاريخية من قرية تغزوت بوادي سوف
بقلم:سمير عوادي*
تعد قرية تغزوت من أقدم القرى بوادي سوف تشيدا بعد عاصمة الولاية ،كانت في القديم تسمى “جُلْهُمَةُ” ،و المقصود بهده الكلمة حافة الوادي (المجرى المائي) الذي كان يمر بالمنطقة في غابر الأزمان القديمة ،و أصل اسم تغزوت نجد العديد من الروايات و لكن الأقرب منها هي المنتشرة عند السكان اليوم ، و التي تقول: أنها سميت باسم جماعة أتو من منطقة تاغزوت الواقعة مابين بسكرة و خنشلة بجبل “شاشار” ،ليعلمون الناس القرآن و نزل بمحل جلهمة لذلك الغرض ،ولما خربت جلهمة ولم يبقى إلا أهل تغزوت ،وذلك بسبب الوباء الذي أصاب أهل جلهمة ،أصبحت القوافل التجارية المتوجهة للمنطقة ،تعرفها بمنطقة “أرض أهل تغزوت”،و استمرت هذه التسمية إلى يوم الناس هذا.
و بقدم هذه المنطقة فمن المؤكد أنها تحتوى على العديد من المعالم و الأثار التاريخية ،ومن أهمها المعالم العمرانية العديدة ،من أبرزها المعالم الدينية و المتمثلة في المساجد ،و أقدمها “المسجد العتيق” المشيد حوالي سنة 1518 للميلاد ،ومنهم من يقول قبل ذلك بـ 70 سنة أي حوالي سنة 1448 للميلاد ،الواقع وسط القرية ،أحدثت له عدت ترميمات من بينها سنة 1937 للميلاد أضيفت له مئذنة ، و التي شيدها احد البنائين المهرة بالمنطقة أنذلك المدعو باسم “قاقة” ،و هو من منطقة قمار المجاورة ،والتي أنتها من بنائها يوم 25 جويلية 1937 للميلاد كما دون عليها هو شخصه ،وفي سنة 1985 ميلادي ،هدم المسجد العتيق لإعادة بنائه من جديد ،وذلك بسبب ضعف جدرانه و السقف لأنه مبني بالمواد التقليدية من جبس وحجارة .
وإذا اتجهنا قليلا إلى الناحية الجنوبية من المسجد العتيق بحوالي 100 متر نجد مسجد أخر المعروف “بمسجد القبلي” (المعروف اليوم بمسجد السلام) ،و يعود تشيده لسنة 1774 ميلادي ،و في نفس السنة شيد جامع الزاوية التيجانية الواقع بالجهة الغربية للقرية من طرف “الشيخ أحمد بن سليمان ” و هو شيخ الزاوية التيجانية الأول بقرية تغزوت .
ومن المعالم الأثرية التاريخية غير المساجد نجد “سوق القرية القديم” ،الواقع امام المسجد العتيق الذي يحتوي على العديد من الدكاكين الملاصقة ببعضها البعض وصولا إلى الباب الغربي للقرية و التي يصل عددها أكثر من 40 محلا لمختلف المبيعات من مواد غذائية و حدادة و خرازة و حلاقة و مقاهي و جزارين … وغيرهم
ويتوسط السوق من جهة الشرق سباط (محل كبر ذو أبواب مفتوحة) يدعى بـ ” سبط الجماعة” ،يستخدم مكان استراحة للتجار و خاصة أصحاب القوافل التجارية الآتية لسوق القرية من المدن الشمالية أو المجاورة .
وإذا اتجهنا نهاية الشارع الجانبي للسباط من الجهة الغربية نجد محل ذو باب كبير الحجم ،يدعى بـ “الدوك” و هو المكان أو المقر الذي يجتمع فيه أعيان وكبار القرية لمناقشه أمور و مشاكل أهل القرية سواء القاطنين فيها أو خارجها.
وعلى بعد امتار من ناحية الشمال للسوق نجد مبنى ضخم يتكون من طابقين ،ويعد من اكبر المباني في تغزوت ذلك الوقت ويطلق عليه مبنى”قبة سيدي احمد الواعر” على اسم صاحبه ،الذي يعد من أثرياء و أعيان القرية آذاك ،شيد سنة 1889 ميلادي ، وتقول عنه الكاتبة “إيزابيلإبرهاردت” عند مرورها بقرية تغزوت يوم 28 جانفي 1901 متوجهة إلى مدينة قمار وهي تصف المظهر التي تراه على مشارف قرية تغزوت بعد خروجها من قرية كونيين « مظهر سهل تغزوت الفسيح يحده في الأفق من ناحية الشمال مبنى الزاوية التيجانية … » ،وتقصد في قولها مبنى الزاوية التيجانية مبنى قبة سيدي أحمد الواعر ،ويدل ذلك على ضخامة وبروز هذا المبنى من بعيد على باقي المساكن المجاورة له بقرية تغزوت ،أما في ما يخص هندسة وبناء هذا المسكن فتقول الروايات القديمة ،أن الشيخ أحمد الواعر عند زيارته للبقاع المقدسة حين أدائه فريضة الحج أواخر القرن 19 ميلادي أعجب بشكل وفخامة الخيام التي نصبت للحجيج للإقامة فيها خلال أيام الحج ،و قبل عودته لأرض البلاد طلب من احد المسئولين أن يبحث له عن خيمة لشرائها ،وحصل الشيخ احمد على ما يريد ،عاد الشيخ للبلاد بعد أدائه لفريضة الحج ،وفي حوزته الخيمة ،و السبب في ذلك ليبني مسكن يشبه في التصميم تلك الخيمة .
وفعلا كلف احد البنائين المهرة ونصب لهم تلك الخيمة ليبني له مسكنا يشابهها في الشكل ،فبني المسكن الذي ليزال شامخا وسط قرية تغزوت ،و الذي يبلغ عمرة أكثر من 115 سنة .وهذه أهم المعالم و الأثار العمرانية التاريخية بقرية تغزوت بوادي سوف التي لها تاريخ عريق ،و تروي لنا حياة أناس عاشوا في تلك المباني التي نسميها اليوم أثار قديمة ،والتي أغلبها لم يبقى إلا اسمها لأنها تعرضت للهدم.
* باحث في التاريخ
السلام عليكم اما بعد بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء على المعلومات القيمة