مُؤلّفي فُسيفساء مِن المَشاعر والقضايا والمَبادئ
وسيم العياري من تونس في حوار لـ“التحرير”:
مُؤلّفي فُسيفساء مِن المَشاعر والقضايا والمَبادئ
حاوره جلال مشروك
وسيم العيّاري كاتِب تُونسي فِي بِداية الدّرب، وتِقني سامي فِي الجيولُوجيا اِختصاص جيوفِيزياء والمَوارد المائية؛ مُتحصّل علَى الإِجازة الأَساسيَة فِي علُوم الحياة والأَرض سنة 2018م، ثُم مَاجستير البَّحث فِي المَوارد الجيولُوجية والتَنمية المُستدامة علَى الصّعيد الأَدبي، لِي إِنْتاج واحد يَتمثّل فِي رواية “حُبّ كيرا” الصادرة عن دار الفينيق للنَّشر والتَوزيع، و الّتِي شاركتْ فِي عدّة مَعارض دولية لِلكِتاب علَى غِرار الكويت والأردن وفَلسطين الحبيبة والسعودية والإمارات والقاهرة…إلخ؛ لم تَحصلْ الرواية بَعد علَى جوائز؛ لكنّي أَعتَبرها جائِزتي الأَعظم حتَى الآن لأَنّي اِستغرقتُ سبع سنوات مِن المُحاولات حتَى أَخرجتها بِالصورة الّتِي تَمنّيتها، لَطالما كنتُ شخصاً يَبحثُ عن الهُدوء بَعيدًا عن الضجيج، فَكان هذا العملُ عالمِي ومَوطني ومُواطني. لَم تُكلِّلْ لِي بَعد المُشاركة فِي الأَنشطة الثَّقافية الهامّة لأَسباب صحّية سأَذكرها لاحقاً، ولَم أحزْ بَعد علَى جائزة؛ لَكنّي أُؤمن أَنّي سأَتعلّم مِن تَجربتي الأُولى وأُصلح أَخطائي وأُعزّز نِقاط قُوتي وأَكتب روايات أُخرى وأَحصد الجوائز فِي المُستقبل إن شاء الله.
التحرير:كيف كانت انطلاقتك في عالم التأليف ؟
أَدركتُ أَنّي وُلِدْتُ فِي هذا العالَمِ اللامُتناهي فِي سنّ الثالثة عندما تَعلّمتُ الحروف وأَحببتها وصنعتُ مِنها بِمُفردي كلِمات بَسيطة؛ مَع مُرور بِضع سنوات، أَحببتُ المُطالعة وقَرأتُ القِصص حتّى بَدأتُ أؤلّف مِثلها. وظهرَ تَفوّقي فِي مَادّة العربية فِي مُختلف مَراحل التعليم الابتدائية والإِعدادية والثانوية؛ فَكان دائماً المَركز الأَول فِي تَحليل النُصوص والمَواضيع الكِتابية مِن نَصيبي. مُنذ نُعومة أَظفاري كتبتُ قِصصاً قصيرة لَم أَجد مَن يُدعمني فِي نَشرها، وحتّى مَرحلة المُراهقة إِلى حدود بِداية الشباب حالَ العائِق المَادّي بَيني وبَين نَشر رواية وقَد ألّفتُ ثلاثاً مِن هذا الصنف علَى الكُرّاس لأَني فِي ذَلك الوقت لَم أَمتلك حاسوباً يُساعدني علَى الكِتابة؛ ثَلاث مُحاولات لَم أَجد يداً مَمدودة لإِحداها؛ فِي مَدينتي بَعيداً عن العاصمة لَم يُؤمنوا بالأُدباء للأَسف؛ وكانت الظروف أيضاً عكس مَا تَشتهي أَجنحة القلم.
التحرير:من كان مدعمك و مساندك الأول في حياتك ؟
أُمّي ثمّ أمّي ثمّ أمّي… هذا السؤال جعل قلبِي يَخفق بِالسعادة والحزن والأَمل وكثير مِن المشاعر الّتي لا تحصى ولا تُعَدّ. والدتي أطالَ الله عمرها رغم وجعها كانت الفرَجَ الإلهي وهبةً مِن السماء تُرافقني علَى الأرض، رغم جراحها كانتْ ومازالتْ مرهمي؛ رغم إخفاقاتي المُتكرّرة، دعمتني دون حسابات أو شروط، بل آمنتْ بي، وجلستْ بجواري تُشجعني مَتى تمكّن مني اليأس، أمّي العظيمة فَضيلة العيّاري ذات العينيْن الخضراويْن والاِبتسامة الدافئة والقلب الفردوسي هي جيشي وروحي وكلّ مَا أملك ومَا أُريد أن أُصبح لأسعدها… هي التي تَحدّتْ أَمراضها المُزمنة ونَامتْ علَى الجليد البارد ذات شتاء قبل تِسع سنوات حينما صدمتْني سيّارة مَجنونة وقذفتني على حافة الموت. أَجل هي الّتي أعادتني إلى الحياة واِعتنتْ بي كأنّي طفل صغير إلى أَن جُبرتْ كسوري والْتأمتْ جراحي. هي الّتي ساعدتني علَى قضاء حاجتي ورافقتني فِي مَرحلة العلاج الطبيعي وساعدتني على الحركة والمشي. وهي الّتي جعلتْ مني أديباً وقد خِلْتُ في معاناتي أنّي لن أكون كذلك، لكنّها بأمومتها أيقظتْ فيَ الطفل البريء عوض وحش ظلمته الحياة، والرجل الصالح الذي تداركَ كُل ذنوبه، وهذا الحالم الفاعل الذي أنا عليه الآن.
التحرير:ماهو تأثير المحيط لكي تصبح مولعاً بعالم التأليف ؟
أشكرُ المُحيطَ الذي رفضني بَدل أَن يُغرقني.. وأَشكرُ نَفسي أنّي لَم أُحاول الغرق فِيه، وجلستُ وحيداً علَى الشاطئ أتأمّل هدوءَه وأَمواجه وعواصفه، أَكتب بعيداً عن نِفاق أَصدقائي الّذين صادقوا تَفوقي الدراسي لا روحي، أنا لستُ الشخص المُفضّل فِي حياةِ أَحدهم ولا العنصر البارز فِي مَجموعة مِن الأَشخاص الّذين يرتدون الأقنعة، لهذا كَانت عزلتي مَع المَوهبة الأَدبية الّتِي حباني بِها الله وقُدرتي علَى التأمّل ببصيرة فِي عناصر الوجود العاملَ الأَبرز لأَكتب عشرات النُصوص الّتِي تُواسيني تارة وتنقذُ اِختلال القِيم تارةً أُخرى وتَمدّني بِدورها الطاقة لإِضافة المَزيد مِن الكتَابات والعِبارات بِكلّ مَا أُوتيت مِن صدق واِنفعالات، حتى عندما كتبتُ روايتي الوحيدة “حُبّ كيرا” قبل سنتيْن وجدتُ اللذّة فِي بِنائها أَمام حاسوبي دون إزعاج وضوضاء ولِقاءات تخلّف بعدها النميمة، بالطبع أنا لستُ مفصولاً عن هذا المجتمع، لكنّ التأليف يتطلّب مني عالَماً خاصّاً أطلّ به على هذا العالم المُعقّد ويسهّل عليّ تَفكيك قضاياه وتناولها.
التحرير:تخصصك في الجيولوجيا هل أثر في حياتك الشخصية أولاً و محيطك ثانياً ؟
الجيولوجيا تُساوي كوكب الأَرض ومَا يلفّه مِن فَضاء ونِظام شمسي، اِخترتُها كتَخصص علمِي جامِعي لأنّها وحّدتني مَع الصخور والبُحيرات والبِحار والطبيعة بِأسرها، ومَنحتني شيئاً مِن الحرّية وكثيراً من الإلهام في عملي حين أنظر إلى جبل، فإنّي أقرأ مَلامحه وأَعرف حكايته وكيف خُلِق؛ كما لو أنّه يحدّثني عن الحِقَب الّتي مرّتْ عليه، جعلتني الجيولوجيا أنصهر مَع الأرض بِمُختلف عناصرها ومَا فَوقها ومَا تَحتها، وأَفهم أَهمّية الحفاظ علَيها وكَيفية اِستغلالها دون إيذائها، الجيولوجيا جعلتني أُواسي هذه الأَرض بِطريقة مَا وجعلتْ الأَرض تَمنحني إلهاماً أكثر لحياتي الأدبية، علُوم الأَرض عرّفتني علَى أُناس كُثر تشاركنا المأوى فِي العراء وا لطعام وذكريات لا تحصى خلال الرحلات الميدانية، وهذا عامل آخر سهّل تواصلي مَع الآخرين ومَنحني الخبرة المُتبادلة فِي عمَل المَجموعة.
التحرير: ما المواضيع والقضايا التي عالجتها في مؤلفك ؟
مُؤلّفي فُسيفساء مِن المَشاعر والقضايا والمَبادئ، طرحتُ تقريباً كلّ المَواضيع الصالح مِنها والطالح، أَظهرتُ الحُبّ مِن خلال الوطن وإن ظُلِمنا فيه، مِن خلال الأُمّ العظيمة التِي تُضحي لأَجل اِبنها، مِن خلال الحبيبة الّتِي جعلتْ صخرة قلب أَحدهم تَنبض وساندته فِي مِحنته، كما سلّطتُ نُور قلمي على أَهمية الطمُوح فِي حياة المَرء وعدم الاِستسلام للضغوط الخارجية والداخلية الّتِي قَد تَقتلُ إِنجازاً لَم يحن أوانه، فِي المُقابل ناقشتُ السلبيات الّتِي أثقلتْ المُجتمع والأَفراد فِيه على غِرار العنف والإِرهاب ومَسألة الزواج الحساسة الّتِي قد تُؤدي إِلى كَوارث تَعصف بِالأجيال، ومَواضيع أُخرى سيسعدني أن تكتشفوها على مدى 346 صفحة.
التحرير:هل البطالة تفسد بعض مبادئ الفرد وتقتل موهبته ؟
كتَجربة شخصية مُؤقتة مَررتُ بِها لفِترة مَحدودة، لَم تَقتل البطالة مَوهبتي. فَقدْ أَمضيتُ الوقت فِي القِراءة ومُشاهدة البَّرامج الثقافِية والعلمِية وإِثراء مَخزوني إِلى أَن كَتب لِي الله التَّحرر مِنها، لَم تَمتْ مَبادئي فِي تِلك الفِترة، لكنّي عانيتُ كثيراً وقاومتُ بِضراوة فِي مَعركة نَفسية عسيرة تَغلبتُ عليها بِفضل الله ومُحاولاتي، وحتى لا أَكون وصيّاً علَى الشباب الذين يُعانون فِي فخّ البِّطالة، سأُقدّم لَهم نَصيحة بِكل تَواضع: لا تَستسلموا للخُمول، ولا تَنتظروا الهدايا مِن أحد حاولوا مراراً وتكراراً، جاهدوا دون توقّف إلى أَن تَتَحرروا وتُصبحوا فَاعلين في الوجود مُفعمين بالحياة، لا مفعولاً بهم في حالة سبات.
التحرير:حسب روايتك من المحتمل أن تجد زوجة أو امرأة تغير حياتك، كيف ذلك ؟
الحُبّ الّذي لا يغيّرنا للأَفضل لم يَكن يوماً حبّاً، كم مِن اِمرأة كانت جيش رَجُلِها وحاضنته حينما أَدار لَه النَّاس أظهرهم، كم من اِمرأة حوّلتْ وحشاً وحيدًا مُظلماً إلى رجل اِجتمَاعي مُشرق، المَرأة فِي حالة الحُبّ الحقيقي هي النَّجاة وبرّ الأمان، هي نِصف المُجتمع وصانعته وضمانُ مُستقبله، فهنيئاً لكل زوجٍ وجد الزوجة المُناسبة لأنّها شريكته فِي البناء والنجاح والسعادة.
التحرير:هل هناك دعم من طرف السلطات للكتاب والمبدعين بتونس الشقيقة ؟
الجواب علَى هذا السؤال يٌؤسفني، رفضت دور النشر التونسية نشر روايتي لأسباب مَادية تَعجيزية، وبَعضها ماطل ولم يَحترم مَواعيد النَّشر مراراً وتكراراً، بل إنّ دوراً أخرى لم تردّ على مُؤلفي بِالرفض أَو القبول، سنة ثَقيلة مِن العراقيل والمَوانع فِي تَونس جعلتْ روايتي حبيسة الدرج، والغريب فِي الأَمر رغم جمَاله أَنّ مُراسلة واحدة لدار الفينيق للنشر والتوزيع الأردنية الفلسطينية جعلتْ الحلم البعيد حقيقة مَلموسة فِي ظرف لا يَتعدى شهرين، لهذا أغتنم الفرصة لشكر المُؤسسة التِي آمنت بي ونَشرت كتَابي فِي المَعارض الدولية، وأَخصّ بِالذكر السيد مالك علول مُدير الدار علَى سرعة تَجاوبه وتَقييمه المُوضوعي لعمَلي دون شروط خيالية ودعمه لي بِكلمات مُشجعة لِلمستقبل. حقاً وضع الكاتب التُونسي فِي تونس مُؤسف سواءً الذين لَم يَستطيعوا تَحقيق طمُوحهم للأَسباب التِي ذكرتهم أو الآخرين الذِين نَشروا ولَم يَجدوا دعماً ورواجاً وحقوقاً.
التحرير:ما هي طموحاتك المستقبلية ؟
أَرنو إلى تَأليف خمس روايات أخرى، لا بَل عشرة أَو أَكثر! إِن كان لي فِي عمري المَزيد سأَكتب وأنتج دون تَوقّف بَعد أَن اِستخلصتُ العِبَر مِن تجربة “حُبّ كيرا” بِما فِيها مِن نِجاحات وخيبات، أُريد أَن أَكتب رواية رائعة تَجعل القِرّاء مصطفّين فِي طوابير شغف لاِستلامها، أَسمو إِلى العالمية يوماً وأحصد أولى جوائزي بإذن الله، أَن أَصير أَحد كِبار الساحة الأَدبية بَعد سنوات مِن التعلّم والإِصلاح وتَطوير مَوهبتي هذا حلمي الأسمى، وسيكون حقيقة بإذن الله، الطمُوح القريب رواية بُوليسية فِي مُنتصف العام الجديد، عنوانها والسيناريو سيكونون مُفاجأة مِن العيار الثقيل.
التحرير:ماهي صفات الروائي الناجح ؟ وما هي أسس كتابة الرواية الناجحة ؟
هو الّذي يفشل مراراً وتكراراً حتى ينجح، هو الّذي يتحلّى بالمَوهبة والقدرة على تطويرها، الراوي الناجح هو بالأساس قارئ مُتميّز ومُتعلّم صبور وذو أَنامل اِستثنائية قادرة على تَرجمة باطن القلُوب وحلّ أحجيات العقول.
الرواية النَّاجحة يَجب أَن تَتوفر فِيها مَجموعة مِن الشروط: سلامة اللُّغة، جودة الأُسلوب، ولا نَنسى أَهمية السيناريو بِما يحتويه (قضيّة أو غموض أو تحفيز أو مشاعر أو نقد أو سرد للوقائع، إلخ.)، العنوان والغلاف أيضاً يجب أن يشدّا القارئ للوقوف على الأَقل وقفة تَأمّل أَمام التحفة الأدبية، هذا بالإضافة إِلى طريقة الترويج، فَيجب علَى الكاتب أَن يَقف خلف كتابه ويدعو الناس بفَصاحة وصراحة إِلى المُراهنة على عمله.
التحرير:هل تحتكّ بكتاب أجانب و جزائريين ؟ وما الفرق بينهم ؟
لي أَصدقاء أُدباء أَشقاء مِن الكويت والجزائر والمغرب ومصر، تبادلنا القراءة. وإن تشابهت المَواضيع وجودة الأقلام، فإنّي لاحظتُ تفاوتاً فِي مَكانة الكُتّاب لدى مُجتمعاتهم، فلنقل أنّ المُعارض الدولية خارج حدود الوطن تَلقى اِستعدادات أكثر ورواجاً أَهمّ مِن المحلّية، هذا دون الحديث عن الأَوضاع المَادية، الشعب التُونسي يُحبّ القِراءة والغوص فِي الروايات والكتب لَكنّ تَدهور الاِقتصاد لدينا دفعهم إِلى العالم الرقمي عوض مصافحة الورق.
التحرير:رسالة توجهها لمحبيك الأعزاء ؟ وكلمة أخيرة ؟
أنا أكتبُ لكم، ويُسعدني أَن تَقرؤوا لي، أَشكر دعمكم لي، الّذي يزيدني إصراراً وشغفاً لأقدّمَ عروضاً أَدبية شيّقة ومُميزة، أَعدكم لِقاء حبّكم لِكلماتي أنّي سأَرفع مُستوى قَلمي إلى الأفضل، أَنتم الذين وثِقتم بِي قَبل أَن أَنال الشهرة، وَلي كُلّ الشرف، وسآخدكم مَعي فِي أَعمالي القادمة، أطلب مِن جمِيع القرّاء أَن يحفظوا اسمي لأنّه فِي السنوات القَادمة سيكون فِي القِمّة.