واقع الصحافة الجزائرية في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية
فوروم التحرير
بمناسبة اليوم الوطني للصحافة
جريدة التحرير تناقش
واقع الصحافة الجزائرية في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية
خليفة قعيد/ القنوات الجزائرية الخاصة هي مكاتب لقنوات أحنبية
علي جريدي/ الأحكام السالبة للحرية تفقد السند القانوني والحماية للصحفي
العيد عقاب/ المؤسسات الاعلامية الضعيفة يسهل التحكم فيها وتوجيهها
تشهد الصحافة الجزائرية على وجه العموم والصحفي بالخصوص تحديات كبرى كونها إحدى القطاعات الهامة والحساسة والخطيرة نظرا للدور المنوط بهذه المهنة المسماة مهنة المتاعب، فواقع الصحافة في ظل المتغيرات المفروضة إذ على المستوى السياسي والاجتماعي وكذا التحديات التي تفرضها الثورات الافتراضية والواقعية للحركة المتسارعة والسباق إلى فرض وجود واقع اعلامي حر يبحث عن الاستقلالية، وفي خضم هذا التسارع وتداعياته كون الصحافة آداة للتعبير عن حرية الأفراد والمجتمعات من خلال حق الممارسة السياسية والمدنية والحق في الوصول إلى المعلومة ورغم التطور الحاصل على مستوى التشريعات والقوانين الضابطة للعمل الصحفي إلا أن هناك عوامل عدة مازالت تحد من تطورحرية الرأي والتعبير في المجال الاعلامي، ولمناقشة هذا الموضوع وتداعياته تستضيف جريدة التحرير كل من السيد علي جريدي مدير إذاعة الجزائر بالوادي والأستاذ العيد عقاب مدير إذاعة سابق والصحفي السيد خليفة قعيد والأستاذ الجامعي بن بوزيان عبد الرحيم والاعلامي يوسف بيزيد لمعرفة وجهات نظرهم فيما يتعلق بمستقبل الصحافة من خلال المعطيات المتوفرة.
*خليفة قعيد: مشاكل الصحافة لا تتمثل في القوانين بل في السياسة الموجهة لها :
وحول أهم التحديات التي تعترض مهام الصحفي في أداء مهامه يتحدث خليفة قعيد مبتدءا كلمته حول المشكل الحقيقي لا يكمن في القوانين بل في السياسة الموجهة لهاته القوانين حسب قوله ضاربا مثلا بقانون السمعي البصري مشيرا إلى القنوات المستقلة بقوله أن القنوات الجزائرية التي نجدها بالعشرات ماهي إلا قنوات أجنبية أسست بالخارج وما هي إلا مكاتب كباقي المكاتب الاعلامية كالبيسي وفرنس24 وما هي إلا قنوات أجنبية ببرامج جزائرية تفتقد إلى الجرئة في معالجة المصيرية والحساسة خوفا من مصادرة اعتمادها فتغلق وفي حالة تفعيل قانون السمعي البصري فإن المتضرر من النشر أو البث فعليها أن تتظلم أمام العدالة فتقدم الأدلة وقد يخسر الجهاز الإداري القضية، وحتى تتجنب الإدارة كل هذه المشاكل فلا يفعلون قانون السمعي البصري وتبقى المؤسسات تحت ضغط كما هو حاصل في واقع الصحافة اليوم ويواصل الصحفي خليفة قعيد في استعراضه للمشاكل التي يعيشها الصحفي الذي من ضغط نفسي مما يعيشه يوميا من ضغوطات من طرف رئيس المؤسسة العامل بها، وكذلك هذا الحشد الكبير للمؤسسات الاعلامية بالوافدين والغرباءعلى مهنة الصحافة سوى تعلق الأمر بالمؤسسات الخاصة والعمومية ويستطرد خليفة قعيد في حديثه عن المشاكل المتعلقة بالولايات الداخلية وواقع العمل الصحفي فيها حول التهميش جراء استفراد المسؤولين بالصحافة نظرا لقلة عدد الصحفيين والمراسلين الصحفيين وبعدها على مراكز المدن الكبرى التي مكانه الصحفي فيهاأحسن ومن خلال هذا الفوروم أتضامن مع زميلي عادل عازب الشيخ سجين الرأي فك الله أسره ونطالب بالافراج عنه في أقرب وقت.
*بيزيد يوسف: الصحافة عندنا مازلت في مرحلتها التجارية
وعطفا على كلام خليفة قعيد بخصوص التوظيف العشوائي لكل من هب ودب في الصحافة يواصل يوسف الحديث عن هذه الظاهرة بقوله الصحافة مازالت لم تنشأ كصحافة رسخة لها قواعد مقارنة بعنوان اعلامية دولية كالسي آن ان أو البيبسي وحتى الجرائد العالمية التي تعتبر مؤسسات قائمة بذاتها ومستقلة ماليا ولها ما يسمى بميثاق الشرف الاعلامي ولها خصوصيتها في التوظيف فمشاكل الصحافة عندنا في مشاكل قانونية ومشاكل مادية فكثير من المراسلين الصحفيين لايخضعون لأي ضمان اجتماعي وإلى العديد من الشروط الأساسية المتعلقة بالحقوق ومنها راتب محترم يحفظ كرامته وهذا ينعكس على أداء مهامه على أتم وجه فهو يفتقر إلى التكوين وإلى العمل الاحترافي نظرا لانعكاس وضعه الاجتماعي على نجاعته في العمل وهو يرجع إلى الوضع المادي والضائقة المالية للمؤسسة الاعلامية الخاصة وكذلك غياب الرقابة الخاصة بالصحفيين وفي غياب جمعيات ونقابات قادرة على مساعدة الصحفي والتحسين من مستواه وأدائه المهني من خلال التكوين والمرافقة.
*العيد عقاب: أطالب بمزيد الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والقانونية والمهنية للصحفي:
وفي سياق التحدث عن العوامل السياسية والاجتماعية التي تنعكس على قطاع الاعلام في أطر تنظيم المشهد الاعلامي يتدخل الأستاذ العيد عقاب مدير إذاعة سابق وصحفي بارز مبديا رأيه بقوله حان الوقت بأن نعترف أن في السابق لم يكن هناك اهتمام كثير لوضعية الصحفي والاعلامي قد يكون مقصود أو غير مقصود هذا شيء آخر فعلى سبيل المثال هناك مؤسسات اعلامية كبرى وضعها القانوني والإداري ليست مضبوطة كما ينبغي سوى تعلق الأمر بالعلاقات أو الهياكل التنظيمية للمؤسسات كلها ليست في المستوى المطلوب واللائق بمؤسسات اعلامية تعاني الكثير وقد تكون أمور متعلقة بجوهر عمل المؤسسة الاعلامية وبالتالي ينعكس على أداء الصحفي والاعلامي بصفة عامة داخل هذه المؤسسة فالمؤسسة الضعيفة التي تفتقر إلى مقومات القوة يسهل التحكم فيها ويستطرد الأستاذ العيد في كلمته بمطالبة الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والقانونية والمهنية وذلك في أقرب الآجال وعلى وجه الاستعجال لأن الحال ضاق بأصحاب مهنة المتاعب لأن فيه الكثير شاب وأفنى عمره دون أن تحقق هذه المكاسب المرجوة منذ الستينات و السبعينات من القرن المنصرم .فسلطة الصحافة المكتوبة لم تر النور أمام سلطة السمعي البصري شافت النور ولكن بآليات محدودة جدا بتدخلات ضعيفة لا تمتلك قوة ردع ولا قوة سلطة وهي أقرب للجنة مراقبة منها للسلطة.
فقد حان الوقت إذا كان فيه نية للانعتاق من ربق التخلف والنهوض بقطاع الاعلام و المسماة السلطة الرابعة وللصحافة والمؤسسات الاعلامية القيام بدورها المنوط لها في هذه الحقبة والمرحلة وهذا العالم المتغير الذي يشهد قفزة تكنولوجية نوعية وفي مواجهة هذه الشبكات العنكبوتية للتواصل الاجتماعي وهذا المد وهذا التيار الجارف للمعلومة فعلينا أن نعد صحفيين ومؤسساتنا الاعلامية اعدادا جيدا بترسانة قوانين قوية وبالاهتمام أكثر خاصة فيما يتعلق بالجانب التكويني والجانب الاجتماعي للصحفي حتى يتسنى له صناعة الرأي العام ويناضل من أجل المعلومة والوصول إلى الحقيقة ونأمل مع الحقبة الجديدة ومع الرئيس الجديد تكون فتح ورشات جديدة تخص هذا المحور بالذات.
*الأستاذ علي جريدي: المسؤولية يتحملها الجميع بما فيها المسؤول ولا يتحملها الصحفي وحده:
وفي سؤالنا على ما مدى مطابقة قانون الاعلام مع الممارسة الصحفية في الواقع مجيب بأن هناك ما يجعل المشهد الاعلامي اليوم معقد جدا في الجزائر اليوم وهو برأيي هذه الضبابية التي تطبع المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في الجزائر عدم وضوح الرؤية جعل هذه المؤسسات الاعلامية العمومية والخاصة لا تجد ضالتها وتحدد اتجاهاتها بشكل دقيق فيما يتعلق بهذه المراحل وهذه التحولات المختلفة التي تعيشها البلاد من مرحلة إلى أخرى وأحيانا تكون متناقضة رأسا بين مرحلة وأخرى والشاهد هو هذه الحالة التي نشاهدها اليوم حالة الوضع السياسي للبلاد التي تجعل كل شيء فيه الكثير من الحذر تعدد مصادر المعلومات انتشار الشائعات التشكيك التخوين كل هذه الضبابية يتحمل عبئها الاعلامي وبالنسبة للمؤسسات الاعلامية العمومية بغض النظر على الجانب القانوني فإنها لم تتطور في جانب العلاقات هي أيضا رهينة هذا الوضع فما كان بالأمس حراما هو اليوم حلال وكما كان حلال بالامس فهو اليوم حرام ففي خضم هذه التناقضات الاعلامي هو المتضرر الأول إن لم أقل ضحية هذا الوضع الموجود الآن وأعتقد أن المسؤولية يتحملها كل الناس بما فيها المسؤول وذلك بأعطاء المعلومة في وقتها وكذا محاربة الإشاعة ويتحملها الجمهوري المتلقي لهذه المعلومات والإشاعات الموجودة في مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الجهات وعن الطفوة النوعية المرجوة يكمل الأستاذ علي جريدي قوله تلك هي صلب الحديث إذا نظرنا إلى الجانب النظري في القوانين الموجودة فأنا مع هذه الطفرة النوعية ولكن إذا وجدنا أن الدستور المعدل في سنة 2016 يمنع مثلا اصدار أي أحكام سالبة للحرية على صحفي جراء ما يكتب ويمكن تطبيقها اليوم بحكم ظروف أخرى جاءت أعتقد أن هذا يفقد السند القانوني والحماية القانونية للصحفي مما يجعله يخاف على ظهره من أين يحمى هذا الصحفي فلا يجب على الصحفي أن يعيش الخوف والهلع والرعب مما ينشره رغم أنه بعض المواضيع لا ترقى إلا أن تكون مشبوهة تمس بمقدسات الأمة حتى يتعرض للتضييق.
وفي الاشكالية المهنية التي يتعرض لها الصحفي في عمله التوفيق بين الخط الافتتاحي لمؤسسته الاعلامية وميثاق شرف المهنة وقناعته التي قد تخالف خط المؤسسة الاعلامية وفي عودة للأستاذ العيد عقاب في التعليق عن هذه الظاهرة يعوزها الأستاذ العيد إلى عدم التكوين لدى الصحفي الذي يجب أن يكون ملم بكل الجوانب التي تتطلبها مهنة الصحافة سوى تعلق الأمر بجانب الكتابة والتحرير أو العلاقات وخاصة الجانب القانوني وفي نظره أنه لا يوجد صحفي أن يجبر ويقحم في مؤسسة معينة فأعتقد أن للصحفي الإرادة في الاختيار ليس الحاجة للعمل وللمال هي التي تغير من مبادئه حسب قوله فالمشكلة هي مشكلة الصحافي في حد ذاته فطبيعة الحال من يمول هذه المؤسسة الاعلامية هو الخط الافتتاحي وعليه أن يحترمه.
*الأستاذ بن بوزيان عبد الرحيم: مؤسساتنا الاعلامية في الظرف الحالي عاجزة على صناعة الرأي العام:
وعن الصعوبات المتعلقة بمهنة الصحافة والاعلام بصفة عامة المتمثلة في صناعة رأي عام وطني وكذا تفعيل شرف أخلاقيات المهنة يشارك الأستاذ بن بوزيان عبد الرحيم أستاذ بجامعة حمه لخضر بالوادي في اثراء هذا النقاش بتدخله حول سؤالنا قائلا من المفروض أن وسائل الاعلام اليوم في درجة استقلايتها وطريقة عملها والجو العام الذي يعمل فيه يجعلها أداة ووسيلة لصناعة رأي عام فيه كثير من الباحثين يعتقدون في الدول العربية لأن الأنظمة تتشابه كثيرا ووسائل الاعلام في الجزائر طالما كانت أداة تابعة وليست أداة مستقلة وهي تابعة للسلطة معينة فصناعة الرأي العام لا تصنعه الأخبار التي تستهلك يوميا متعلقة بتغطيات المسؤولين أثناء تحركهم وقراءة صفحة الأموات فإذا كان هناك صناعة رأي عام في العالم العربي أو الجزائر فلماذا هذه الانتقاضات والهبات الشعبية على طول خريطة العالم العربي وهي دليل على أن شعوبنا تريد التغيير والخروج من هذا الواقع الأسن وهي تبحث عن فكر جديد وواقع جديد فصناعة الرأي العام هو اشكالية كبيرة جدا ولا تكون بمحتوى ضعيف ولا تكون بصحفيين لديهم كثير من المضايقات ولا تكون بمسؤول يتربص من هنا وهناك وصناعة الرأي العام تكون بمؤسسات اعلامية قوية مستقلة اقتصاديا وسياسيا ولها من الموارد ما يسمح بتقديم الآراء والحقائق، فمؤسساتنا الاعلامية في ظل هذا الواقع لا تستطيع أن تضع رأي عام ولن تقدر حتى على مواكبة الرأي العام الدولي ولا الأنظمة العربية ترغب في صناعة رأي عام لأنها تريد شعبا خاضعا لها، أما بخصوص أخلاقيات المهنة ترجع دائما إلى التكوين وما مدى تأثير الظروف التي تتحكم في وضع الصحفي القانوني والاجتماعي ويبقى الجانب الأخلاقي التزام شخصي يتعلق بالصحفي وحرفيته وضميره وأصبح الاعلام في الجزائر مفتوح ومهنة لمن لا مهنة له وعليه يجب أن تضبط مهنة الاعلام بشكل أكثر دقة وأن تلزم المؤسسات الاعلامية الاعلاميين بميثاق شرف المهنة لأنه يعود عليها بالسلب أو الإيجاب فالأمر متعلق بعدة جوانب قانوني مجتمعي مؤسساتي.
وأما فيما يخص المحور الأخير لهذا النقاش المتعلق بوسائل الاعلام المتعددة وتداخلها على خط الاعلامي يواصل يوسف بيزيد بأن المفاهيم تغيرت في ظل تكنولوجيا المعلومات فالكثير من المؤسسات الاعلامية دخلت هذا المجال لأنه ضروري جدا و في اعتقادي بأن الصحفي المقتدر يستطيع أن يفرق بين الإشاعة والخبر الصحيح لأن للصحفي ما يسمى ب بالقيم الخبرية التي تمكنه من الالتزام شرف أخلاقي وكذلك لابد من مواكبة هذا التطور الحاصل في الفضاء الازرق وأن يكون له جمهور متلقي في هذا الفضاء ويواصل في نفس السياق بأن التكنولوجيا الجديدة غيرت من هوية المؤسسات الاعلامية فبمجرد دخول الإذاعة أو الجريدة إلى هذا فإن تمتلك وسائل جديدة تحولها من مؤسسة اعلامية تقليدية إلى مؤسسات داخل الفضاء الافتراضي وهذا الاتجاه عالمي وليس وطني فقط فنحن اليوم ذاهبون إلى عصر الشاشات.ويكمل العيد عقاب وجهة نظره في التعامل مع الفايسبوك في مجموعة من النقاط أولها استغلال هذا الفضاء واعتباره صديقا وليس خصما حيث نستطيع يوسع الاعلامي من علاقاته وكذلك يستطيع أن يعلن على برامجه وأفكاره ومواضيعه وبامكانه أن يتفاعل الصحفي والاعلامي مع جمهور التواصل الاجتماعي وبالتالي أمكنهم من معرفي ومعرفة مادتي الاعلامية وكذلك التعريف بمؤسستي الاعلامية ولذلك نجد المؤسسات الاعلامية الآن لها مواقع داخل الفايسبوك والأهم من هذا هو أن ندخل منافسين وبمرور الزمن يصبح الصحفي المحترف والمؤسسة الاعلامية هو السيد في هذا الفضاء وذلك بكسب المتعاملين مع هذا الفضاء من خلال المصداقية والتي أراها هي رأس مال الاعلامي الناجح. ويختم خليفة قعيد تدخله بأن الصحفي الحاذق مثل التاجر الحاذق الذي يروج لسلعته أحسن ترويج في إشارة إلى عملية تسويق مادته الاعلامية بحيث أن فضاء الأنترنت هو فضاء للتنافس فكيف تستطيع التأثير على المتلقي وهنا تكمن الصدقية التي تتمثل في القدرة على تبليغ الرسالة الاعلامية وكذلك على مدى ثقافة الجمهور وتعامله داخل هذا الفضاء ، وأنا في تصوري بأن الجرائد الورقية تبقى لأنها من حيث النصوص والمضمون سوى كان على صفحات الورق أو صفحات الويب هي نفسها وإنما تطورت من خلال الوسيلة ومدى سرعتها ووصولها إلى أكبر عدد من القراء.
أحمد ديدي